وزارة الثقافة
الجمهورية العربية السورية
وزارة الثقافة – مديرية المسارح والموسيقى
تكريم الفنان الكبير
أسعد فضة
تحيه الى اسعد فضة
عرفت اسعد فضة عائدا من دراسته في مصر متهيئا لسفر آخر وتعميق ابعد لمعرفته المسرحية لكنني لا اعرف ما الذي كان أكثر اشراقا واندفاعا، دراسته ام تطلعاته، ففي ذلك اللقاء الاول دهشت لحماسته وهو يسابق الحلم في شوقه للبناء ودعم كل بادرة الابداع.
فيما بعد ومنذ أواسط السبعينات اتيحت لنا لقاءات متكررة فلمست لديه هذا النزوع الخلاق لكي يُحل المتخيل الجميل محل الواقع الهزيل ولكي يتخطى الراهن الى المحتمل.
هذه الحركة بين ما هو كائن وما يجي ان يكون هي نفسها الحركة التي يعيشها أسعد فضة بين ما يجابهه واقعيا وما يتطلع اليه امكانيا.
الذين يتابعون نشاطه عن كثب يعرفون ان يتحدثوا خيرا مني عن تألقه المطرد في عمله وعن دماثته البسيطة العالية وقربه من الناس وعن ايمانه عمليا بدور الفن في الحياة والمجتمع وما اندر الاشخاص الذين يدخلون ساحة العمل العام والمؤسي على امتداد ثلاثين سنة او اكثر ويظلون مع ذلك محتفظين بتوهجهم ويظل الاعجاب بهم يتزايد على نحو فريد وتلك هي ميزة اساسيه من مزايا أسعد فضة شخصيا وفنانا, ومما يزيد في هذا الاعجاب حرصه على ان لا ينظر الى الفن بوصفه مجرد وسيلة, بل بوصفه مناخا حرا وفريدا لخلق المواقف والافكار الحيه الكاشفة والمغيرة.
فأسعد فضة يصدر في حياته ومسيرته عن ينبوع عميق ودائم التفجر وهو الهيام بالمسرح، وفي هذا الهيام نذر حياته للبحث عن المعنى الأكثر عمقا وعن الرؤية الأكثر شمولا مأخوذا بهاجس الكشف عن الضوء الخفي وعن التوق العريق الذين يقودان الى التجاوز والى تغيير الحياة والواقع.
هكذا يبدو إطلاق اسم اسعد فضة على مسرح في مدينته امرا طبيعيا، انه تحيه في مكانها وان جاءت زمنيا متأخرة.
أحييه فرحا بهذه المبادرة، واهنئه بوصفه في آن صديقا قريبا وفنانا مبدعا وأحييه على الاخص بوصفه يعيش في هذا الزحام الملتبس مخلصا لفنه واضعا اياه في الذروات التي تتخطى الحدود المباشرة لكل ما هو سياسي او ايديولوجي.
أدونيس
أسعد فضة رجل المسرح الحقيقي
تعود معرفتي بالفنان أسعد فضة إلى ما يزيد عن ثلاثين سنة في الأوسط المسرحية، وهي سنوات سمحت لي أن أتعرف عن قرب على وجوهه الفنية والأدبية المتنوعة بعد تخرجه من أكاديمية الفنون وعودته من القاهرة دخل مباشرة المسرح القومي في دمشق بخطواتٍ راسخة إلى جانب الأسماء التي كانت لامعة آنئذ، فبرز بسرعة ممثلاً ومخرجاً. فقد لعب في مواسم القومي أدواراً متباينة لشخصيات يتطلب تجسيدها قدرات خاصة من حيث الموهبة الغنية وتمكنا من الأدوات في عمل الممثل على الدور ومن تواصله مع الشريك في المشهد، فلفت أنظار جمهور الستينات بقوة.. وفي الوقت نفسه ارتبط اسمه مخرجاً بتنوع خياراته النصية وأهميتها، سواء من المسرح العالمي أو العربي والمحلي. فقد أدرك بنظرة مستقبلية وواقعية أنه لا قيام لمسرح قومي حقيقي من دون الالتفاف إلى نصوص مؤلفينا العرب والسوريين.
إذ أن هؤلاء هم أبناء واقعنا وبيئتنا ولغتنا، وهم الأقدر على إبراز قضايا مجتمعنا وخصوصية إنساننا، فركز أسعد في أثناء عدة مواسم على المسرح العربي، من دون أن يهمل في هذا الموسم أو ذاك عملاً فنياً مهماً على مستوى الشكل والمضمون معاً، وكان المهم بالنسبة له دائماً في خياراته أن يمتلك النص حكاية قوية متينة البنيان، فالحكاية هي روح المسرح وقوامه. وجاءت المفاجأة في منتصف الثمانينات عندما أخرج نصه المسرحي الوحيد بعنوان نرى المغزى الجلي (حكاية بلا نهاية).
وعلى الرغم من تنوع هذه التجارب حتى ذلك الحين إلا أن أسعد فضة يبقى في ذاكرتي البصرية ممثلاً مقتدراً راسخاً على الخشبة وفضائها، في مونودراما (يوميات مجنون) بإعداد سعد الله ونوس عن قصة نيكولاي غوغول، وبإخراج فواز الساجر في المسرح التجريبي، إن قبول أسعد فضة الممثل والمخرج الكبير بالعمل بين يدي مخرج شاب والخضوع لمخيلته، كان أبرز جانب تجريبي حقاً بالمفهوم المسرحي البحت في هذا العمل الذي لفت الأنظار وأثار كثيراً من النقاش الفني حوله. وأنا أرى في هذا دلالة واضحة على إحدى الميزات المهمة في شخصية أسعد فضة الفنان في وظيفته مديراً للمسارح والموسيقى لسنوات طويلة، وهي تشجيع المواهب الشابة على صعيد الكتابة والتمثيل والإخراج، بل وحتى على مستوى الفنيين في مختلف مكونات العرض المسرحي.
لقد كان يغامر ويراهن وفي أغلب الحالات مراده ينجح، انطلاقاً من نظرته الثاقبة في تقييم إمكانيات الآخر وهذا الجانب يعيدني إلى عمله مدرساً مقرر التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية الذي شارك في تأسيسه منذ عام 1976 والذين تخرجوا بإشرافه هم حالياً من ألمع الممثلين وممثلات المسرح والسينما والتلفزيون في سوريا والوطن العربي.
لقد كان أسعد فضة بقيامه بهذه المهمة الصعبة والبالغة الحساسية مدرساً ومدرباً ومربياً وأخاً كبيراً لطلبته في الوقت نفسه، زرع في نفوسهم احترام أخلاقيات فن التمثيل مهما كانت ظروف العمل فالمسرح في رأيه حب وفهم وعطاء من أجل إسعاد الآخرين والدخول معهم في حوار إنساني هدفه الترقي الفني والتفتح الفكري والسحر الروحي.
صحصح أن الانشغال بالعمل الإداري لسنوات طويلة، مديراً للمسارح والموسيقى، ونقيباً للفنانين، والتحول نحو التمثيل التلفزيوني قد أخذه بعيداً عن ممارسات مواهبه الأصلية ممثلاً ومخرجاً في المسرح إلا أن موهبته الإخراجية أي امتلاك النظرة الشمولية لمكونات العمل الفني لازمته في عمله الإداري أيضاً، مديراً لمهرجان دمشق المسرحي، ومهرجان بصري ومهرجان المحبة، من حيث توزيع المهام بدقة ومتابعة تنفيذها حتى بلوغ أفضل النتائج. فقد كان يمتلك الهدوء المطلوب القادر على استيعاب المشكلات الطارئة والعمل على حلها بسرعة وإتقان في الوقت نفسه وذلك بحسن إدارة شركائه في العمل وإذا أردنا إيجاز القول في شخصية الفنان أسعد فضة فهو بحق رجل المسرح الذي يحب الفن بقدر ما يحب الحياة.
أ.د. نبيل الحفار.
دمشق 5/12/2005
أسعد فضة العلامة
التحق أسعد فضة بموكب الفن السوري المعاصر في الزمن الذي كان فيه المسرح يحاول أن يلملم أوراقه المتناثرة ليجمعها في كتاب ينضم إلى موسوعة الفنون التي ابتدأت الدولة برعايتها واحتضانها لتثبت أنها الشريك الأقوى في حياكة النسيج الثقافي السوري.
وكان شباب أسعد فضة المتوقد بالحيوية والرغبة ونشوة الفن قد أسفر في البداية عن تألق حضوره في المسرحيات الأولى التي أدى فيها دور البطولة أو أنه قام بإخراجها على حدٍ سواء، فكان بذلك يلعب دوراً لافتاً في بناء المسرح الحديث مما سيحفظ له مع أقران كانوا معه شرف تمثيل الدراما بشكل لن يغيب عن الذاكرة، بل إن أوراق المسرح السوري ستذكر دوماً قيمته المكملة لمرحلة التأسيس الجادة، وقد كانت في البداية تتهادى ببطء إلى أن قويت خطوتها في العقد السادس من القرن العشرين.
وهكذا اشتعلت حماسة أسعد فضة لفن الدراما عندما بدأ باستكمال مشواره في خطين من حياته، خطان توازيا في استكمال بناء تاريخه الإداري التنظيمي ونشاطه الدرامي، فقد شغل الفنان إدارة مديرية المسرح والموسيقى في وزارة الثقافة لسنوات طويلة كما لعب في تلك الفترة دوراً كبيراً في رفعة المسرح السوري، وعندما تحول أخيراً إلى إدارة نقابة الفنانين توج بها نشاطه الإداري، وقد كان في الحالتين نموذجاً متفهماً في بناء جسر التفاهم بين كتلة الفنانين والهيكل الإداري الناظم لمسيرتهم ونشاطاتهم.
ويوم مدت له الدراما التلفزيونية ذراعيها لتوقعه في أحضانها، أصبح واحداً من ألمع وجوه الشاشة الصغيرة، كما أن الشاشة الكبيرة طمعت لأكثر من مرة أن كون لاعباً فيها. وهكذا تحول أسعد فضة في العقود الأخيرة إلى نجم يشع في سماء الفن العربي ليحقق مع نجوم آخرين حضوراً للدراما التلفزيونية السورية على المستوى العربي نستطيع أن نفخر بها بعد أن وصلت إلى حدود المنافسة القوية.
ولا بد في هذه المناسبة من القول إن أسعد فضة أصبح اليوم جزءً من لوحة الفن السوري وبخاصة ما يتعلق بها من ألوان الدراما المشعة فيها، فكان التحامه بها تأكيداً على قدره الذي رسم له.
ويذكرنا أسعد دوماً ببوادر الصعود المسرحي متمثلاً بكتاب مثل سعد الله ونوس ومخرجين كفواز الساجر وغيرهم من رحلين ومقيمين بيننا، فكأنه في حضوره القوي في المشهد الثقافي يشكل إيقاظاً لذاكرتنا التي تحتفظ بالإعجاب والمحبة لأولئك الذين غرسوا في تربتنا خصوبة الإبداع المسرحي الذي يعد بآفاق جديدة. فهل بات أسعد فضة لوحة ارتسمت عليها أجمل الذكريات واستنهضت ماضينا القريب الذي سيؤسس لفعالية مستقبلنا القادم؟ … ونستطيع القول أيضاً أن أسعد فضة بات علامة تدل على رفاق طريق تعيده ثقافتنا الإبداعية لتمشي عليها الأجيال المتعاقبة، وأن بالجهد والمثابرة لعب دوره في شق ذلك الطريق. ويقودني الاعتراف إلى أن هذه الفنان أخضعك إلى حبه واحترامه، فرقة تعامله مع الآخرين تذكرك دوماً بالشهادة الأولية (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، وما أظنه إلا بمستطيع أن يجمع في ذاته وجهين كعملة نعتز بها لأنها تغني مخزوننا من الثقافة التي باتت أمنية لنا نضعها أمانة عند كل مبدعينا وصانعي ثقافتنا مدعاة سعينا نحو اتساع رؤيتنا للزمن القادم.
وليد إخلاصي.
أسعد فضة فنان عشقه المسرح
لعل الأجيال الشابة تعرف الفنان أسعد فضة عبر التلفزيون أولاً، وعبر السينما ثانياً. أما الأجيال الأكبر سناً فتعرفه على المسرح ممثلاً ومخرجاً. وتعرفه – وهنا دوره الكبير – واحداً من الذين رسخوا فن المسرح في سورية وفي الوطن العربي.
ففي عقد ستينات القرن العشرين كان المسرح القومي في دمشق يحول المسرح من ظاهرة فنية طارئة ومعرضة دائماً للتوقف، إلى حالة اجتماعية ثابتة القوة والاستمرار. كما بحوله في الوقت نفسه من (الهواية) القائمة على الموهبة إلى (علم) ثابت الأركان. وقد قام بهذه المهمة جيل من الممثلين والمخرجين الذين درسوا المسرح في معاهده وجامعاته ثم جاءوا ليضعوا ما تعلموه في تضاعيف العمل المسرحي. لكنهم لم (يطبقوا) ما تعلموه، بل (طوعوا) الأصول التي درسوها إلى طبيعة الذائقة الجمالية العربية، ووضعوها في خدمة الآفاق الاجتماعية التي كانت محور التقدم حتى يصبح فن المسرح داخلاً في نسيج الحياة العربية وجزئا من الثقافة العربية لا يمكن الاستغناء عنه. وكان أسعد فضة واحداً من هؤلاء الأفذاذ الذين قاموا بهذه المهمة. فحينما كان يقف على خشبة المسرح ممثلاً، لم يكن يتقن أدواره بفنية عالية فحسب، بل كان يجعلك تشعر أن فن التمثيل ليس فناً غريباً عنا، بل هو فن أصيل في تربتنا وثقافتنا العربية.
وأعتقد أن هذا الجانب في أداء أسعد فضة ممثلاً على المسرح هو الناحية الأبرز فيما أنجزه ذلك الجيل الشامخ من الممثلين. ومن هنا جاءت أعماله متقنة أشد الإتقان فناً وأداءً، وبليغة التأثير في الجمهور ثقافةً وتثاقفاً. ولعل ذلك نابع عن موقف فكري يسبق العمل الفني وهو أن المسرح لم يكن يقدم بغاية تقديم الفن فحسب بل بغاية المساهمة في مناقشة أوضاع ومشاكل الأمة العربية.
لكن هذا الجانب العام الذي يشترك فيه أسعد فضة مع غيره من أبناء جيله بتفرد فيه بأسلوبه الخاص الذي كان يؤدي بواسطته أدواره. وهذا الجانب الخاص المتفرد يقوم على حضور قوي له على خشبة المسرح، وبقدرة كبيرة على إقناع المتفرج بالشخصية التي يؤديها. وأذكر أنني كتبت مقالاً عن مسرحية (زيارة السيدة العجوزة) التي أخرجها علي عقلة عرسان – وهي من تأليف دورينمات – وقلت في ذلك المقال إن أغلب الممثلين كانوا يؤدون أدواراً لشخصيات أكبر منهم في السن. فكان شبابهم يغلب على شيخوخة الشخصيات، ما عدا أسعد فضة لشاب الذي أدى دور رجل عجوز فجعلنا نعتقد أننا أمام رجل هرم. وهو إلى تأديته الرائعة للدور كان يضفي على العرض كله نفحة من القوة بصوته القوي المتوازن الواضح، وبتكوينه الجسدي المدروس. ومازلت حتى اليوم أذكر دوره في (جان دارك) وغيرها من شوامخ المسرح القومي في تلك المرحلة. وأذكر بكل الافتخار دوره المتميز في (المجنون) وهي أول مونودراما تقدم في المسرح السوري. وبذلك شق أسعد فضة الدرب لهذا الفن الجديد في المسرح العالمي كما هو جديد في المسرح العربي.
أما أسعد فضة المخرج فقد كان ينطلق من الأسس الفكرية والفنية ذاتها التي ينطلق منها ممثلاً. فبالإضافة إلى بناء العرض المسرحي المتكامل المتقن، كان يصوغ العرض بطريقة تخاطب الذوق العربي والعواطف الإنسانية التي لا بد أن تتلون بألوان البيئة والمجتمع والمرحلة رغم أنها عواطف عامة يتشارك فيها الناس جميعاً. ولعل مسرحية (السعد) التي أخرجها في منتصف سبعينات القرن العشرين تعد واحدة من شوامخ ما قدمه المسرح القومي. أما مسرحية (الملك هو الملك) التي أخرجها في أواخر ذلك العقد فكانت واحدة من أجمل العروض التي قدمت في مهرجان دمشق الثامن عام 1979.
إن هذا الرجل يمتاز – كإنسان – بالروية وطول الأناة. فإذا حاولت إغضابه فإنه يتلقاك بالحلم الذي يحول غضبك إلى رضا. وبهذه الأناة كان يشتغل على أدواره ممثلاً وعلى عروضه مخرجاً. فإذا أضفنا إلى ذلك أن ظل يدير الحركة المسرحية السورية طوال ما يقرب من ربع قرن في مديرية المسارح، أدركنا دوره الكبير في تأثيره على المسرح السوري. فإذا أضفنا إلى ذلك أيضاً أن المسرح السوري ترك بصماته على المسرح العربي من خلال مهرجان دمشق للفنون المسرحية، أدركنا مدى التأثير الذي تركه أسعد فضة على المسرح العربي.
إنني أحيي أسعد فضة في يوم تكريمه رجلاً قدم الكثير للمسرح، وإنساناً احتوى الأجيال الشابة التي تتالت على خشبة المسرح السوري. وبكلمة موجزة: إنني أعتز بصداقة أسعد فضة كما يعتز بها الكثيرون.
فرحان بلبل.
أسعد فضة
قامة فنية باسقة
جذورها ضاربة في العمق
وظلالها تنثر على الأرض…
ارتساماتٍ إبداعية حقيقية
أسعد فضة
بروحه المسكونة بالفن
وبقلبه العابق بالدفء
كان أستاذاً علمنا
ومخرجاً أدهشنا
وممثلاً أتحفنا
أسعد فضة
كان وسيظل..
مثلاً يحتذى
وسيل عطاءٍ لا ينضب
من طلابه – أيمن زيدان
شهادة الفنان أسعد فضة
مر الآن حوالي ثمانية وعشرون عاماً على ذلك اليوم المصيري بالنسبة إلى يوم دخلت إلى خشبة مسرح القباني أمام لجنة القبول لانتقاء الدفعة الأولى لطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية المنشأ حديثاً. كان في تلك اللجنة رجال تركوا بصماتهم واضحة على الحركة الفنية والثقافية السورية، منهم المخرج والمربي المسرحي الراحل فواز الساجر، وأستاذنا الكبير صلحي الوادي الذي لم أر لإيمانه بما يفعل مثيلاً، والذي لولاه كشخص لما كان للموسيقى الكلاسيكية في سوريا المكانة التي لها اليوم، كذلك كان المربي والأستاذ أديب اللجمي الذي كان مثالاً رائعاً للأستذة الكلاسيكية بعلمه وسعة اطلاعه ونظرته الأبوية للطالب، تلك النظرة التي ميزت الأساتذة الكلاسيكيين الكبار ومع هؤلاء الممثل والمخرج المسرحي الكبير أسعد فضة. تخيل أنك تريد أن تؤدي مشهداً أمام كل هؤلاء وتقنعهم بنفسك كفنان، أو مشروع فنان يستحق منهم أن ينفقوا أربع سنوات من تعبهم وعمرهم عليك، إنها مهمة صعبة لا شك.
المهم بعد أن أديت مشهدي بالدفاع الخائف الذي ألقى الخوف وراءه وراح يندفع ذات اليمين وذات الشمال كالأعمى، ران صمت طويل نسبياً وكنت استرق نظرات سريعة إلى وجوههم على آخذ نتيجة أو انطباعاً ما. كان الجميع ينظر إلي ولأوراقهم كلاعبي البوكر دون أي تعبير يمسكني ولو رأس الخيط كما يقولون ثم قطع الأستاذ أسعد فضة الصمت وقال لي ما آخر مسرحية قرأتها؟ فأجبت مسرحية برخت السيد بونتيلا وتابعه ماتي، فسألني: هل ترى أي تقاطع بينهما وبين الملك هو الملك لسعد الله ونوس؟ فأجبت، فابتسم.
هذه الابتسامة كانت الإشارة الوحيدة التي خرجت بها من القاعة لتعطيني الإحساس بأنني قد أقبل في المعهد. أسعد فضة كان واحداً من قلة آمنوا بضرورة إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية وكان لإيمانه هذا الدور كبير في إنشائه، الذي انعكس على الحركة الفنية السورية بصورة لا نستطيع اليوم أن نراها دون المعهد لقد غير هذا المعهد حياة جيلين من الشباب السوري الذي أراد أن يدخل مملكة فن التمثيل بشكل أكاديمي، ومازال يقوم بدوره.
لقد قضيت مع زملائي عند أستاذنا أسعد فضة أربع سنوات من الدراسة كان فيها مصدراً كبيراً للثقة والحب لكل واحد منا. كان يحتمل مشاكساتنا وفورات الشباب فينا. كان ممثلاً كبيراً واسماً علماً، وكنا طلاباً مغمورين في معهد التمثيل نحب أن يرى أستاذنا أننا مختلفون عنه ولنا شخصيتنا الفنية وطريقتنا، وكان يقبل ذلك برحابة صدر كان دائماً يقول لا أطلب منك أن تفعلها بطريقتي، افعلها بطريقتك ولكن بإتقان. كان يحب الاجتهاد ويشجعنا عليه ويكره أن يحبط أياً منا مهما كان أداؤه متواضعاً. حتى إننا كنا نأخذ عليه أن يقبل من بعضنا نتائج كان من المفترض أن يوبخنا عليها.
كان الأستاذ أسعد رجلاً صبوراً ولعله كان يعمل بالقاعدة التي تقول يمكنك أن تنمي الموهبة عند صاحبها ولكنك لن تستطيع أن تمنح الموهبة لأحد. كان أستاذاً مهاباً دون أن يكون مخيفاً أو مرعباً بالعموم كنا جيلاً محظوظاً من طلاب المعهد إذ تتلمذنا على يد أساتذة كان لهم تاريخهم الفني. لم يحدثونا عن أشياء لم يستحقوا هم أنفسهم فيها كانوا أصحاب خبرة وتجربة كبيرتين. عرفوا معنى النجاح ومعنى الفشل، خاضوا معاركهم مع آرائهم وطموحاتهم وجمهورهم ونقادهم.
لم يكونوا فقط أهل كتب ونظريات لأن هذه وحدها لا تصنع لا ممثلاً ولا مخرجاً. عندما كان الأستاذ أسعد فضة يتكلم في أمر ما أو يعطي ملاحظة ما كان المتحدث بالنسبة إلينا هو الفنان الذي أخرج (الملك هو الملك) و(سهرة مع أبي خليل القباني) و(حرم سعادة الوزير) و(الإخوة كارمازوف) و(التانغو) وعمل تحت إدارته كبار الفنانين في سوريا، ومثل أدواراً رائعة في السينما والمسرح والتلفزيون. لم يكن آخرها ذاك الأداء الرائع في مسرحية (يوميات مجنون) من إخراج الراحل فواز الساجر وكانت آخر ما شاهدناه له على المسرح قبل أن نصبح طلبته.
لقد شاءت الأيام أن أخوض بنفسي تجربة التدريس وأعرف جيداً حجم الجهد والمسؤولية التي تترتب على عاتق الأستاذ دون أن يشعر أحد بذلك أو ينال عليه مديحاً أو تكريماً مادياً أو معنوياً وكان بإمكانه بنصف هذا الجهد والوقت أن يصنع لنفسه مجداً شخصياً يراه كل الناس ويتحدثون عنه. ولكنني أعرف أيضاً أن من يقوم بهذا العمل إنما يفعله لأنه يحبه ويحب أن يمنح ما عنده من علم وخبرة للآخرين، لا ينتظر في مقابل ذلك شيئاً ربما ينتظر كلمة شكر.
شكراً أستاذ أسعد وشكراً للزمن الذي جمعنا مع طلاباً لك.
جمال سليمان
أيمان الجابر
أسعد فضة
مها تناديه: (متى تعود للمسرح؟)
لم تفارقه ابتسامته الطفولية طوال لقائنا، رغم حضوره الآسر. هو نموذج الرجل، بكامل سلطانه، وحنانه أيضاً. إن سألت عنه، يجمع من يعرفه على أنه (الإنسان المحترم)، قبل أن يحدثوك عن المخرج والممثل ورئيس نقابة الفنانين طوال أعوام ثمانية، ولولب الحركة المسرحية السورية لعقود من موقعه على رأس (مديرية المسارح والموسيقى)، وأستاذ (المعهد العالي للفنون المسرحية) في سوريا، وأحد الذين ناضلوا لإنشائه. من بين طلابه نجوم كبار، أيمن زيدان، وجمال سليمان، وفايز قزق، ووفاء موصلي وغيرهم.
(كان أستاذاً مهيباً، من دون أن يكون مخيفاً)، يتذكر جمال سليمان. أما أيمن زيدان فيراه (أستاذاً علمنا، ومخرجاً أدهشنا، وممثلاً أتحفنا). العبارة وردت في شهادته خلال تكريم أسعد فضة في اللاذقية، حيث أطلق اسمه عام 2006 على صالة المسرح القومي في المدينة الساحلية.
ولد في بكسا، القرية التي لا يمل من وصف جمالها بروح العاشق الأبدي. كان الفقر (عادلاً) كما يخبرنا: (لم يكن في قريتنا بيك أو إقطاعي، المختار فقط كان مميزاً، ويملك معصرة زيتون. معظم أهل القرية مالكون لأراضيهم، وكانت تكفيهم للعيش بكرامة. أما من لم يملك أرضاً، فكان يعمل لدى الإقطاعيين في القرى المجاورة). يتحدث أسعد فضة عن قريته كبيئة منفتحة على الحب.
(الأفق المفتوح، بساتين العنب والتين، وكروم الزيتون، زقزقة العصافير، الندى وفعله في الأرض، تمنحك إحساساً غريباً خلال المشي. يلتقي الشاب بالصبية ولا أحد يعيب ذلك. أمي كانت تعلمنا كيف نحب الفتاة ونعامله).
الأب يطلب إليه وإلى إخوته مساعدته في الأرض، والأم ترفض طالبة منهم التفرغ للدراسة. (في قريتنا – سي السيد – غير موجود. للمرأة كلمتها، والرجل يمشي وتركب المرأة الدابة، مهما بدا هو متعباً). وكما ارتأت الأم، تعلم أولادها الأربعة في (الكلية الأرثوذكسية الوطنية). استهلكت الأقساط المدرسية كامل محصول الأرض تقريباً. في تلك المدرسة كان يلتقي أبناء الريق مع أولاد المدينة من أثرياء. (بعضهم كان لطيفاً، وبعضهم كان شرساً إلى درجة التشابك بالأيدي. كنا جديين في دراستنا، وفرضنا احترامنا على أولاد الأغنياء. هذه المدرسة خرجت البروفسور والطبيب والمحامي والضابط).
(جول جمال الضابط السوري الشهيد – استشهد في عملية ضد البارجة الفرنسية جان بار أثناء العدوان الثلاثي عام 1965- ، كان يسبقني بصف، وأخوه عادل كان في صفي). في تلك المرحلة انتقلت إليه عدوى المسرح من أساتذته الفرنسيين. (كانوا يعلموننا الفرنسية من خلال المسرح، وقدمنا في المدرسة أعمال كبار المسرحيين الفرنسيين).
حصل أسعد فضة على الثانوية العامة عام 1958، واحتار بين بعثتين إحداهما في الإخراج والتمثيل والأخرى في الرسم ليرسو قراره في النهاية على الأولى. (كان يفترض أن تكون البعثة إلى فرنسا، لكن الوحدة بين مصر وسوريا حولت وجهتها إلى القاهرة). والدراسة هناك لها سحرها الخاص. كان يتقاضى راتباً من البعثة، وكلما حاز امتيازاً أخذ مكافأة تسعة جنيهات شهرياً.. أما شريكه في الامتيازات، فكان الأديب علي عقلة عرسنا. (كانت حالتنا المادية جيدة جداً، نعيش في مناخ ثقافي ومعرفي مدهش خلقناه طلبة سوريين). شركاؤه في السكن في شارع بهجت علي، في حي الزمالك، قرب بيت أم كلثوم كانوا التشكيلي الراحل غازي الخالدي، وعميد (كلية الفنون الجميلة) خالد مز، والتشكيلي نذير نبعة.
بابتسامته المضيئة، يستعيد ذكريات الشباب وهوايته لفن الرسم قائلاً: (كانوا يذهبون إلى القناطر ليرسموا، وأنا معهم. حولنا بيتنا إلى منتدى ثقافي، كل خميس، كنا ننظم ندوة وندفع للفنانة التشكيلية ليلى نصير مبلغاً لتهيئ الديكور المناسب للندوة).
خلال العطلة الصيفية، حدث الانفصال، وكان أسعد فضة ورفاقه في سوريا. أدرك طلاب السنة الثالثة حينها أن العودة إلى مصر مغامرة بعدما رفضت حكومة الانفصال إعطاء الطلبة تأشيرة خروج. (لم يكن هناك من حل سوى السفر بحراً، على مسؤوليتنا ومن أجل مستقبلنا).
من ميناء اللاذقية إلى ميناء الإسكندرية، انطلق الطلبة الحالمون: (ومن يركب البحر لا يخش من الغرق، قبالة شاطئ مصر، اقترب مركب خفر السواحل من الباخرة وقال أحد الضباط: الشباب السوريون ليتفضلوا! خاف بعضنا، فإذا بهم يرحبون بنا ويقلوننا بسيارات إلى محطة القطار!) يقول فضة متجاهلاً دمعة لمعت في عينيه. هل كان أسعد فضة مع فك الوحدة؟ (طبعاً لم أكن معه. مع وعينا التام بأخطاء الوحدة وأسباب فشلها).
بدأت حياة أسعد فضة المسرحية تتبلور بعد عودته من البعثة عام 1963. مثل، وأخرج، وناضل من أجل وجود مسارح تليق بتطلعات أهل المسرح حينذاك: (لم يكن هناك سوى – مسرح القباني – وإمكاناته المتواضعة جداً.. سطونا على سينما الحمراء وحولناها إلى مسرح). أول عرض أخرجه ومثل فيه كان (الإخوة كارمازوف)، حينها كتب وزير الثقافة والإعلام، سامي الجندي صفحة كاملة عن المسرحية في جريدة الثورة عام 1964، ولاقى العرض إقبالاً جماهيرياً منقطع النظير، وأعلن شباك التذاكر (لم يبق محلات) للمرة الأولى.
توالت النجاحات، ولمع اسم فضة في فضاء المسرح العربي، كما سيكون لاحقاً في السينما والتلفزيون. في التلفزيون هو (زبادي) عاشق زنوبيا في (انتقام الزباء) و(أندريانوس) في (الأميرة الشماء)، و (عز الدين القسام) في (عز الدين القسام)، والباشا في (بصمات على جدار الزمن)، وأبو دباك في (هجرة القلوب إلى القلوب).. أما عن السينما، فكيفيه دوره في فيلم (ليالي ابن آوى) للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد، وعنه حصد جائزة أفضل ممثل في (مهرجان دمشق السينمائي) 1989.
وتطول قائمة المسرحيات التي أخرجها، أو مثل فيها.. بعضها لا يمحى من ذاكرة المسرح العربي، مثل مسرحية (يوميات مجنون) لغوغول، وهي أول عمل مونودرامي في الوطن العربي، من إخراج الراحل فواز الساجر، إضافة إلى (الملك هو الملك)، و(حرم سعادة الوزير)، و(التنين) وغيرها. وكان آخر أعماله المسرحية (حكاية بلا نهاية)، تأليفه وإخراجه 1986، ومثلت فيها زوجته الراحلة مها الصالح. مها تلك الشابة الجميلة والموهوبة التي تعرف إليها في مسرحية (دون جوان) التي أخرجها ومثل فيها، كان ذلك في عام 1964، وكان الحب من النظرة الأولى. بعد أقل من سنة تزوجها. وبقي الحب مستمراً حتى لحظات النهاية، حين أغمضت شهرزاد المسرح العربي عينيها للمرة الأخيرة في 14حزيران/ يونيو 2008.
من ذلك الحب تبقى صور كثيرة، وحكايات لا تنتهي، وشراكة إنسانية وفنية خصبة، كانت ثمرتها ابنتهما راما المهندسة المعمارية التي أنجبت أسعد الصغير وسارة. مازلنا نذكر كلماته وصوته المرتجف ودموعه الحارة يوم وداعها. يشرد في الأفق قليلاً ثم يعود إلينا: (مها هنا الآن، وهي تلازمني أينما حللت. أسمعها تناديني).
تواريخ:
- 1938: الولادة في قرية بكسا في اللاذقية (سوريا).
- 1963: تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية- قسم الإخراج والتمثيل في القاهرة.
- 1966: أوفد إلى فرنسا لدراسة المسارح، ومعه الأديب علي عقلة عرسان والمسرحي سعد الله ونوس. لدى عودته أدار المسرح القومي حتى عام 1974، وبعدها انتقل إلى إدارة المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة حتى 2001.
- 1986: أخرج آخر أعماله المسرحية (حكاية بلا نهاية) ومثلت فيها زوجته الراحلة مها الصالح.
- 2009: فرغ من تصوير مسلسل (نفوس ضعيفة) ويستعد لتصوير فيلم (الشراع والعاصفة) عن رواية حنا مينه.
إيمان الجابر
الياس الحاج
ذكريات لا تنسى مع أسعد فضة..
لا أنسى أنني كنت في الثامنة عشرة من عمري، لا أزال أحلم كبحار متمرد على الشاطئ، همه الأقوى هواجس وسحر رؤى الإبحار في الإبداع والخلق والابتكار في مجال التأليف والإخراج والتمثيل.
ولا أنسى أنني كنت يومئذ بأمس الحاجة لأن أجد من يفتح لي الباب الأول فيمنحني جواز سفر أدخل به إلى عالم الفن والكتابة في طريق الاحتراف، بعد أن أمضيت على شاطئ الحلم الأول – لاذقيتي – ربيع الطفولة والفتوة أتخبط بين أمواج هوايات عدة مثل صياد قصبة – سنارة – لا يعرف أي نوع من طعم السمك أو قياس نمر السنانير يختار، فهو بالطبع لن يعرف أي نوع من الأسماك ستلتقط سنارته، فرحت أمارس هوايات تناسب ذلك العمر، وأهمها التعلق بألق المسرح الذي لا أعرف إلى هذه الساعة ما الذي جذبني إليه لأختاره الهواية الأكثر تأثراً وتأثيراً في رحاب بحر الحياة.
طلبت مقابلته، ولم أكن أتوقع أنني سأكون في حضرته خلال لحظات، شاباً في مقتبل العمر، يتحدث حول مشروع نص مسرحي، بإحساس لا يخلو من القلق والإرباك أمام نجم كبير ومدير للمسارح والموسيقا بوزارة الثقافة، كان قد ترك البريد الذي بدأ يذيل توقيعه عليه. وراح يصغي باهتمام لمتاهات بحار صغير، قرر تحديد انطلاق رحلته بأحداث درامية، يحاول التقاط جزئياتها فيرمي بملامح ظلالها بسرعة من يرجو استبصار الأمل، كمن وقع في مأزق فحاول أن يجد لنفسه مكاناً كفيلسوف يرسم الكلمة في جانب ومبدع فنان في جانب آخر. وفي الحالتين كانت لدي مشكلة في إقناع صمته ونظراته المتوجسة لكل خلجاتي الخارجية وربما الداخلية، وما إن انتهيت من سرد حكاية مسرحيتي، حتى رسم ابتسامته الطيبة، وسألني: ما اسم المسرحية؟ فأجبته بتردد: (رحلة البحار الصغير).. وسألني ثانية: أين النص.. لماذا لم تحمله معك؟ فاختلجت جوانب نفسي وأجبته بنبرة حرج: هو ليس معي الآن! فقال مبتسماً وبلهجة أبوية حنونة: عليك أن تحضره غداً وتسجله في الديوان.. ثم ودعني كما استقبلني بود واحترام رجال البحر، وما إن أغلقت الباب خلفي، حتى بدأت الأسئلة تجول بخاطري حول من أين وكيف سأحضر له نص المسرحية، وأنا لم أخطها بعد.. وعلى الفور شرعت بكتابة الأحداث التي كنت قد رويتها على مسمع النجم المدير.. إلى أن أنجزت مخطوط النص كاملاً.. وفي أقل من أسبوع تمت قراءة مسرحيتي وقرار موافقة لجنة النصوص على تملكها فأصدرت السيدة الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة آنذاك، قراراً ينشر في الجريدة الرسمية، متضمناً اقتناء النص، والمفاجأة غير المتوقعة، صرف مكافأة مالية للمؤلف، قدرها أربعة آلاف وخمسمائة ليرة سورية.. والتي كانت حلماً بالنسبة لشاب في عمري يتقاضى المبلغ الأول عن نص من تأليفه، وقد تحققت فيما بعد أنه اقتراح من النجم المدير الذي كان عادة يقترح أقل من ذلك المبلغ لأسماء كانت شهيرة في ذلك الحين.
كما لا أنسى أنه لم يتردد بعدها في إعطائي أول فرصة للإخراج المسرحي لصالح وزارة الثقافة لنصٍ ثانٍ من تأليفي، ولم يكتف بذلك الدعم أمام ما كنت أحققه من نتائج، فاقترح بكتاب رسمي وجهه إلى السيدة الوزيرة كتباً للمسارح والمراكز الثقافية في المحافظات لاستقبال عروضي المسرحية الجوالة، وتقديم كل الخدمات اللازمة لها، وفي مرة لاحقة وجه للسيدة الوزيرة اقتراحه لتصدر قرارها بتكليفي في تأسيس مسرح الأطفال والفتيان التابع لوزارة الثقافة في منتصف الثمانينات.
واليوم وبعد مرور نحو ربع قرن على منحك لي جواز السفر الإبحار، وتلك الذكريات التي كان لا بد من تسجليها وفاءً لمحبتك الأقوى والتي عجزت أمامها في التعبير عن الشكر لك بطريقتي يوم حضرت إلى مكتبك أحمل فرحي، بأول عمل تلفزيوني ينتج من تأليفي، بعنوان (لعبة الكراسي) طالباً موافقتك على تجسيد دور البطولة فيه، ولم أوفق بذلك بسبب انشغالك بأعمال عدة، كما تكررت الظروف التي لم يتسن لي تحقيق طموحي في التعبير عن قد وحجم ما تركته في من أثر، إلى أن سنحت الفرصة فلعبت أحد أدوار البطولة في مسلسل (أنشودة المطر) آخر عمل من تأليفي، وإخراج المبدع باسل الخطيب.. فاكتشفت أن ذلك غير كافٍ أو جدير بما هو أمر طبيعي، أمام ما يدفعني دائماً إلى رغبة أبعد من الطموح بمشاركتك في أعمال من تأليفي، أو حاجتي لاستضافتك بوصفك نجماً كبيراً في البرنامج التلفزيونية التي كنت أعدها في سنوات سابقة، أو الكتابة عن أعمالك في الصحف الدورية والمجلات الفنية. فأنت دون شك قامة تستحق الأكثر كفنان نجم له حضوره الاستثنائي في المسرح والسينما والتلفزيون، عرفته عن قرب في كل الأيام أباً حنوناً خبر الحياة والفن بكل أبعادهما الإنسانية والإبداعية.
كبيرنا النجم المدير.. اعترف لك أنني لا أزال عاجزاً عن التعبير أمام فضلك الأول بما قدمته لي مع بدايات رحلتي بدمشق، واعترف أيضاً أنني عاجز عن التعبير بأحرف أبجدية مثل ما قبل بك في كلمات: الدكتور محمود السيد وزير الثقافة، الكاتب والباحث المسرحي فرحان بلبل، الشاعر أدونيس، الفنان جمال سليمان، الفنان أيمن زيدان، الكاتب والأديب وليد إخلاصي، الناقد د. نبيل الحفار، الفنان جهاد الزغبي مدير المسارح والموسيقا.. يوم تكريمك بمناسبة إعلان تسمية (مسرح أسعد فضة) على صالة المسرح القومي باللاذقية.
لكنني أستطيع القول إنني كنت أحلم يوماً بمسرح أسعد فضة، على غرار مسرح القباني ذكراً للحب والإبداع، ومثالاً يحتذى به، نهنئ أنفسنا به قبل أن نهنئك بتكريم مستحق، فنهنئ المسرح بك، تقديراً لحقيقة جهودك المثمرة حاضراً معاصراً بيننا، تخلدك مدينتك لاذقيتنا التي قلت عنها: في هذه المدينة بهية المحاسن، مدينة الرعد والمطر، عرفت الحب حب الوطن والإنسان. حب الجمال في بحرها وجبالها وسهولها وجداولها وأغنياتها.
إلياس الحاج.
جريدة بلدنا
أسعد فضة:
من أعمدة الفن في سوريا، تاريخ من الأدوار الكبيرة. ومن الإسهام في دفع الحركة الفنية إلى الأمام عبر دوره كفنان وكإداري. النقيب السابق للفنانين. حصل على العديد من الجوائز.
جائزة أفضل ممثل عم فيلم ليالي ابن آوى في مهرجان دمشق السينمائي. جائزة أفضل ممثل دور تاريخي في مسلسل العوسج في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون. جائزة تقديرية عن مسلسل الجوارح في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون.
أهم الأعمال التي شارك بها في المسرح:
- كمخرج: الأخوة كارمازوف، دون جوان، لكل حقيقته، عرس الدم، دخان الأقبية، التنين، السيل، الملك العاري، الغريب، السعد أيام ميسلون، سهرة مع أبي خليل القباني، دمشق انتطرناك والحب جاء، سيزيف الأندلسي، الملك هو الملك، المفتاح، رقصة التانغو، حرم سعادة الوزير، عيد الشحادين، بروايظ، حكاية بلا نهاية، حكايات ريفية، مغامرة رأس المملوك جابر، السعد.
- كممثل: شيخ المنافقين، الأخوة كارمازوف، دون جوان، عرس الدم، الشرك، المأساة المتفائلة، السيل، وفاة بائع جوال، زيارة السيدة العجوز، جان درأك، أوديب ملكاً، عيد الشحادين، يوميات مجنون.
- في الإذاعة: العديد من الأعمال الأخرى.
- في السينما: القلعة الخامسة، حبيبتي يا حب التوت، ليالي ابن آوى، رسائل شفهية، قصة شرقية.
- في التلفزيون: أغنية البجعة، المطاردة، رجل الساعة، روائع المسرح العالمي، النهر الكبير، أولاد بلدي، انتقام الزباء، الأميرة الخضراء، الأميرة الشماء، طائر الأيام العجيبة، وضاح اليمن، تيمورلنك، عز الدين القسام، بصمات على جدار الزمن، طبول الحرية، حرب السبع الأربع، فراس من الجنوب، رحلة أمل، الطبيبة، الوسيط، لقاء في ظلال الطاعة، بيوت في مكة، الغابة، دكان الدنيا، امرأة لا تعرف اليأس، أبو كامل(ج 1و2)، هجرة القلوب إلى القلوب، برج العدالة، البديل، قلعة الفخار، السوار، الجوارح، العبابيد، بنت الضرة، العوسج، الموت القادم إلى الشرق، الكواسر، الفوارس، البواسل.
مهرجان مرتيل السينمائي
الدورة العاشرة لمهرجان مرتيل السينمائي تكرم الفنان السوري أسعد فضة
افتتحت بقاعة سينما الريف، أمس الاثنين 28 يونيو الجاري، الدورة العاشرة لمهرجان مرتيل السينمائي، الذي ينظمه نادي مرتيل للسينما والثقافة، بتكريم الفنان السوري أسعد فضة.
وقدم رئيس الجماعة الحضرية لمرتيل، على أمنيول، تذكاراً يتمثل في برج مرتيل، للفنان السوري المتألق أسعد فضة. وقال أسعد فضة (إن علاقتي بالمغرب، تعود إلى فترة السبعينات، وتحديداً مهرجان دمشق المسرحي، حينها تعرفت على إبداع هذا البلد العظيم الذي كرمت به أكثر من مرة، لكن تكريمي بهذه المدينة الجميلة مرتيل، له دلالات خاصة، سيما وأن الذي من وراء التكريم، نادي سينمائي يتوفر على إمكانيات متواضعة، تمكن بواسطتها من تنظيم مهرجان دولي ولذلك).
يقول أسعد فضة (الشباب العربي مدعو للأخذ بتجربة نادي مرتيل للسينما، التي تحركها إرادة غير عادية تتمثل في الحب الشديد للوطن الأمر الذي ساهم في إنجاح هذا المشروع). وأضاف أسعد فضة (إننا في سوريا نعتز بدماء الجنود المغاربة الذين استشهدوا بالجولان، ولا زلنا نحتفي بهؤلاء الأبطال. فألف رحمة عليهم).
وقد تميز المسار الفني لأسعد فضة، الذي ولد سنة 1983، بالمشاركة في العديد من الأعمال الفنية في المسرح والسينما والتلفزيون. وحصد الفنان أسعد فضة العديد من الجوائز كأفضل ممثل وجوائز تقديرية من مهرجان دمشق السينمائي ومهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، كما تم تكريمه في سنة 2006 بتسمية قاعة المسرح القومي في مدينة باللاذقية باسمه.
وقد حصل على العديد من الجوائز كجائزة أفضل ممثل عن فلم ليالي ابن آوى في مهرجان دمشق السينمائي وجائزة أفضل ممثل دور تاريخي عن مسلسل العوسج في مهرجان القاهرة للإذاعة التلفزيون.
وفي مجال المسرح له العديد من الأعمال بعضها قام بإخراجها وبعضها شارك فيها كممثل ومن أبرز هذه الأعمال مسرحية عرس الدم ومغامرة رأس المملوك جابر والأخوة كارمازوف ومسرحية أوديب ملكاً.
أما في المجال السينمائي فقد برز الفنان أسعد فضة في مجموعة من الأعمال كليالي ابن آوى ورسائل شفيهة والقلعة الخامسة. وللفنان أسعد فضة العديد من الإنجازات في ميدان التلفزيون ونخص بالذكر مسلسل الكواسر والفوارس والموت القادم من الشرق والعبابيد والجوارح إضافة إلى مسلسل قمر بني هاشم.
وعندما نتحدث عن أسعد فضة المخرج نستحضر عمله في الحقل المسرحية بمسرحية حرم سعادة الوزير والمفتاح والتنين بالإضافة إلى أعمال أخرى مميزة.