الملك هو الملك

في حوار مع المؤلف والمخرج والممثل يوسف حنا

تعددت الآراء والتعليقات حول مسرحية (الملك هو الملك) التي لم يمضِ على عرضها إلا أيام قليلة. بعض المثقفين وبعض المهتمين بالنقد المسرحي أدلوا بتعليقاتهم منهم من رأى أن المسرحية كانت مباشرة، وآخر يقول: لجأت المسرحية إلى الخطابية وآخرون يقللون من قيمة المسرحية لأنها قدمت أشياء مفهومة ومعروفة على حد رأيهم.

وانطلاقاً من هذه الآراء وإيضاحاً لبعض الجوانب في مسرحية (الملك) رأت (تشرين) أن تجري الحديث التالي مع المؤلف (سعد الله ونوس) والمخرج (أسعد فضة) والممثل (يوسف حنا).

مع المؤلف: سعد الله ونوس

    • ثمة أقول تتهم مسرحيتك الجديدة، بأنها لجأت إلى المباشرة مما أضعفها في رأيهم، فما ردك على ذلك كمؤلف للمسرحية؟

 على فرض أنه توجد مباشرة، بالنسبة لي.. لم أعتبرها.. ولن أعتبرها إدانة، لمجرد حكم نقدي بأنها تسيء للعمل، والكل يذكرون أن هذه المباشرة، كانت هي الأساس والمطلوبة في (حفلة سمر) وقد كتبت المسرحية بطريقة مباشرة تتناول حدثاً مباشراً (هزيمة حزيران)، ولكن المشكلة درجت على نوع من السهولة بأن ربطنا بين المباشرة والسطحية في الأدب، وهذا هو أحد من المفهومات المغلوطة الدراجة في الساحة النقدية فلو حاولنا أن نأخذ مثالاً من بدايات المسرح التي يتفق الجميع على أنها التجربة المسرحية الناجحة تاريخياً وفي المسرح الإغريقي.. فإن معظم المسرحيات التي قدمت في المرحلة الإغريقية.. والتي أبدعها (اسخيلوس وسوفوكليس.. ويوربيدس.. وارسطفان..) كانت مسرحيات مباشرة مرتبطة عفوياً سواء بالفكر أو بالشكل.. بأحداث سياسية، كانت تعيشها أيضاً، ومن المعروف أن حرب (البلبونيز) قد غذت معظم هؤلاء المسرحيين بالموضوعات وفرقت بينهم في الاتجاهات، وليس سراً أن (أرسطفان) كان يستخدم في مسرحياته الشخصيات الحية في المجتمع حوله، وقد ساهم مساهمة فعالة في الهجوم على (سقراط) وفي الحكم عليه بالإعدام، وما كان سقراط في مسرحيته رمزاً.. وإنما الشخصية الحية المباشرة التي هي سقراط قصداً أخلص إلى القول: ربما كنت مباشراً في مسرحيتي، ولكننا لم نتفق بعد على أن المباشرة تعني الفجاجة، ولم نتفق بعد على أن المباشرة عيب فني، وهنا قد يحتاج الأمر إلى مراجعة واسعة لا يتسع لها المجال في هذا الحديث.

إلا أن كثيراً من المعايير النقدية.. تستخدم في ساحتنا الأدبية بتعريف محدد لها.. هو التعريف الذي أعطته الثقافة البرجوازية في رحلة انحلالها.. لهذه المفاهيم والمقولات.

ثم إننا إذا اتفقنا، ويبدو أن معظم الذين يساهمون في النشاط الثقافي.. يشاطروننا.. ولو ظاهرياً هذا الاتفاق.. أقول: إذا اتفقنا على أن الأدب له وظيفة، وإذا اتفقنا على أن الأدب هو واحدة من وسائل التغيير في مجتمع ما، فإن علينا.. لكي نحقق هذا الهدف بصورة أكمل وأنضج.. في بلاد يرزح أكثر من 60 بالمئة فيها تحت نير الأمية، في بلاد محروم شعبها من العمل السياسي، ومن المشاركة في صنع تاريخها، فإن أشكال التغيير ستصبح ترفاً.. وقصوراً أو تعالياً، إذا لم تتزاوج مع كل ما هو تعليم، إن شعبنا جائع للتعليم.. للمعرفة.. لإدراك آلية تاريخه، ومغزى الأحداث التي يحياها مرغماً، إن الفن والأدب لا يستطيعان أن يغتسلا من هذا الواقع، ويحلقا فوقه بحثاً عن شجونهما الخاصة، الفن والأدب محكومان في بلد كبلادنا.

بالانغماس في هذه التربة.. بالتعمق فيها.. بنبذ المقولات الجاهزة، والبحث عن كل ما هو فعال وقادر على أن يساعد المجتمع على أن يعي ويغير.

    • أمثلة من المسرح العالمي الناجح

سأستطرد من هذه النقطة للحديث عن ظاهرتين في الحركة المسرحية العالمية، إذا كان كاتب كـ (بريخت) وجد وهو الذي يعيش في مجتمع له نضجه الثقافي.. وتراثه المسرحية العريق.. وجد أنه من الضروري أن يكون المسرح تعليماً، وأن يستخدم كل الوسائل بما فيها المباشرة جداً لإيصال الدرس الذي يريد أن يقوله فما بالك إذن ببلاد، مشاكلها ثقيلة وتاريخها نسيج من فواجع.. وانكفاءات وخيبة.

المثال الثاني: هو تلك الطفرة المسرحية الفتية التي نشهدها الآن دول شبيهة بنا كأمريكا اللاتينية.. وبلاد أفريقيا.. وآسيا، طفرة بدأ الغرب يتسوق منها ما يخفي إفلاس مسرحه وانسداد الأفق أمامه، إن العروض البراقة التي تستقطب اهتمام النقاد والمسرحيين.. في كل المهرجانات التي تقام في أوروبا، إنما هي تجارب المسارح المناضلة في بلدان العالم الثالث، وأخص بالذكر منها مسارح أمريكا اللاتينية، وأن ما يميز هذه الطفرة.. ويعطيها أصالتها، هو أنها تخففت من كل عقد التبعية الثقافية لأوروبا الغربية، وانطلقت تبحث عن وسائلها.. لكي تعكس هموم شعوبها، وتتحول أداة تغيير مع متفرجيها وبهم، هذه التجارب المسرحية أدارت ظهرها لمفاهيم النقد البرجوازي، وتبنت بجرأة.. المباشرة والتحريض والأمثولة، وأحياناً السذاجة.. وما ذلك بغريب ما دام هؤلاء المسرحيون لا يريدون أن يكونوا نسخاً مضحكة.. عن السادة الأوروبيين، وإنما يتحملون هم شعبهم، ويناضلون معه في تجمعاته.. للمضي خطوة إلى الأمام، ومن المؤكد أن كاتباً مسرحياً في (التشيلي) لن يكون إلا خائناً وأداة قمع إضافية في يد (بينوشت) لو كتب مسرحية تتجاهل القمع، وتتجاهل أوضاع شعبه.. والهول الذي يعيشه الآن.

إذن.. بعض الحالات اللامباشرة قد تتحول هروباً أو تضليلاً، ومن يدري قد تكون أيضاً واحدة من أدوات الجلاد وأسلحته.

    • هل استطاع الإخراج والتمثيل أن يقوما بعملية إيصال أفكارك.. كما تطمح أنت.. كمؤلف؟

طبعاً.. هناك دائماً فجوة.. بين ما يحلم به الكاتب.. وبين ما يتحقق على الخشبة، تضيق هذه الفجوة وتتسع وفقاً لعناصر الإخراج والتمثيل والمؤثرات الفنية الأخرى.

لن أقول: أن العرض الذي يقدم في الحمراء، قد أرضى كل ما كنت أتمناه إلا أنني لا أستطيع.. أن أنكر الجهد المخلص الذي قدمته المجموعة المشتركة في المسرحية.. مخرجاً.. وممثلين.. وفنيين، لتقديم أفكار المسرحية بصورة واضحة وأمينة.

مع المخرج: أسعد فضة

    • هل ترى – كمخرج للمسرحية – أن المباشرة كانت ذات مفعول إيجابي؟

المباشرة مقصودة، وقد ركزنا عليها.. على أساس أن تكون الأمور واضحة للمشاهدين، خاصة عندما تكون المباشرة بقالب فني جيد، فهي واردة إذا كانت موظفة لخدمة أفكار النص، فمن الناحية الفنية.. لا غبار على المباشرة، لا سيما إذا كان العمل المسرحي سياسياً فيتم توظيف كل كلمة بشكل سليم..

وعن تقييم المسرحية ككل قال: المسرحية فيها نوع من التكامل بالرؤيا.. والطرح.

    • هل ارتقى العمل الفني إخراجاً وتمثيلاً إلى سوية النص في نظرك؟

ارتقى إلى سوية النص، فثمة تكامل بين النص.. والممثلين.. والشكل الفني.

    • أخرجت أكثر من عمل مسرحي، لسعد الله ونوس، فهل من ميزة خاصة تعطيها لعمل دون آخر، وما مكان مسرحية (الملك هو الملك) بين هذه المسرحيات؟

أخرجت ثلاثة أعمال لسعد الله هي: (المملوك جابر) و(سهرة مع أبي خليل القباني) والمسرحية التي تعرض حالياً، الثلاثة من سوية جيدة، وكل واحدة لها علاماتها، وإن كانت تجمع مسرح سعد الله.. سمات واحدة تقريباً، ولكن كل واحدة لها نكهة خاصة. ميزة سعد الله حتى لو تناول موضوعات من التراث، يكون همه الشاغل هو المعاصرة كما في مسرحية (أبي خليل القباني) مثلاً، مسرحه فيه تقنية.. وهو مسرح سياسي فعلاً.

    • ما هي ملاحظاتك على العمل ككل. إذا أردت أن تذكرها بتجرد؟

الملاحظات طفيفة، أعمال سعد الله.. الأشياء التي يمكن أن تؤخذ عليه ليست جذرية، أعماله لا تخلو من ملاحظات، ولكنها ليست جذرية، في المسرح لا بد من توفر المتعة لتسهيل عملية الإيصال.. وإبعاد الملل، وكان ذلك من أهداف المسرحيين الكبار (بريخت).. وهذا متوفر في مسرح (ونوس).

    • هل أنت راضٍ عن نتيجة عملك كمخرج.. في هذا العمل؟

بذلنا كل مجهود، ولكن بقيت في ذهني أشياء.. لا تتحقق كما نتصور بسبب عوامل عديدة، أحياناً بعض الصعوبات في الخشبة.. أو في بعض العناصر الفنية غير المتوفرة تقف عثرة دون وصول العمل إلى أعلى درجة نطمح إليها.. فتبقى هذه النسبة القليلة الغائبة حسرة، لماذا لا يكون الممثل كما نريد.. والصالة أيضاً؟

    • ما تعليقك لمشهد (عزة وعبيد) والفتور الذي أحسسناه حيال هذا المشهد؟

يعود ذلك إلى عدة أسباب.. أولاً: مشهد ثنائي.. ثانياً.. مشهد يروي حكاية حساسة، وتحتاج إلى جو للإيصال، ومشاهد من هذا النوع.. تعتبر من المشاهد الصعبة في المسرح، خاصة أن الإطار الموضوع حولها مختلف من حيث النوعية، سواء ما جاء قبله أو بعده، أكثر حرارة، وهذا في بنية العمل الدرامي لا بد من هذا الخط الذي يتصاعد، فوجوده ضروري، سعد الله كاتب فهم لعبة المسرح وتكنيك المسرح بشكل جيد ولذلك لا يترك أي دور يخدم هذه اللعبة، الكاتب يجب أن يفهم سر المسرح، وهذا لا يتم إلا بالجهد  المتواصل وبالمناسبة أنا أعزو قلة إنتاج سعد الله ونوس النسبية إلى أكثر من بعد، منها هذه الناحية، البحث المستمر عن سر المسرح ومدى ملائمته للجمهور، وهذا يأخذ وقتاً طويلاً لديه.

    •  من هم الكتاب المسرحيون الذين سجلوا نجاحاً ملموساً في الحركة المسرحية العربية في رأيك؟

من المغرب العربي – الطيب العلج – والطيب الصديقي، وفي مصر.. محمود دياب الذي أخذ خط البيئة نهجاً له، وفي تونس.. عز الدين المدني وهو يأخذ أشياءً من التراث ويقدمها بلغة معاصرة، ومن العراق.. يوسف العاني. وعندنا في سوريا.. سعد الله ونوس.

مع الممثل: يوسف حنا

    • مثلت في عدد من المسرحيات.. الناجحة فما رأيك بمسرحية (الملك) بين هذه المسرحيات؟

مسرحية الملك من أكثر المسرحيات محاولة لطرح أمور معقدة.. متداخلة بطريقة قريبة من الجمهور.. وذلك عن طريق الحكاية الممتعة..

    • هل ترى من خلال هذه المسرحية أن المباشرة كانت موظفة لنجاح المسرحية؟

بهذا النوع من المسرحيات، تكون المباشرة تلخيصاً لما ظهر بالدراما، وتأكيداً له، وهذا عمل إيجابي موظف. ملاحظة أساسية: حينما يأخذ الإنسان حكاية (ألف ليلة وليلة) ويريد قلبها فلا بد من إيجاد صعوبات كثيرة، ولكن نأمل أن يكون قد أفلح سعد الله.. والممثلون.. والمخرج.. في ذلك، فثمة خوف في هذا القلب، وهو ضروري فكرياً. أما الناحية الفنية التشويقية فلا ندري إلى أي مدى استطعنا كممثلين أن نتمثل الطرح الذي قدمته المسرحية والحكم لكم.

علي عبد الكريم.

الملك هو الملك وفلسفة التغيير

بعد أخذ ورد.. افتتح المسرح القومي موسمه السنوي، وكانت مسرحية (الملك هو الملك) عرضه الأول، وهي من تأليف سعد الله ونوس.. وإخراج أسعد فضة.. وتمثيل فرقة المسرح القومي، وهذه البداية نستطيع أن نعتبرها مؤشراً إيجابياً لإنتاج نوعي ناجح للمسرح القومي في هذا الموسم، بعد أن تردى إنتاجه في المواسم السابقة، مما أطلق العنان لتجار المسرح الخاص في تقديم عروضهم المبتذلة المخربة.

(الملك هو الملك) لعبة مسرحية تستخدم التراث بلغة معاصرة.. لتحكي أشياء كثيرة، هدفت منها إلى تعرية إشكالات كبيرة ومتنوعة.. سياسياً واجتماعياً.. وفكرياً.

ففي نظام (الملكية التنكرية) التي اعتمدتها المسرحية وسيلة لكشف التناقضات، كان التاجر.. وإمام الجامع يمسكان بالخيوط جميعاً من المحراب إلى السوق، ويلعبان بالناس. وبالقصر.. على حد سواء، وخلال كل ذلك.. كان السلطان غائباً في ملذاته.. وغروره، يبحث عن طريقة تقتل ضجره، فلا يجد إلا التنكر بين الشعب تسلية له، فيلبس ثياباً عادية ويصطحب وزيره، عله يرى في مشاكل الناس وجراحهم لذة تمتعه، ويتجهان إلى دار سبق لهم أن تعرفوا عليها في جولة مماثلة، فراقهم أن يسمعوا أحد الناس المخبولين واسمه (أبو عزة) يتحدث عن أحلامه في الملك والانتقام من خصومه شهبندر أحد التجار.. وشيخ الجامع اللذين جعلاه يفلس ويخسر تجارته، وبالتالي يشرب الخمرة مما يضطره للدين.. والصدام مع زوجته، كل ذلك أيقظ الرغبة في نفس الملك المتنكر إلى إعطاء قصره وردائه (ليوم واحد) لهذا المخبول الحالم بالسلطان، ويتم الملعوب، ويصبح (أبو عزة) ملكاً ولكنه يبقى ويستمر لأن حاشية الملك لا تعرف الملك بوجهه.. وشخصيته.. إنما تعرفه بردائه وتاجه وصولجانه..

(أعطني رداءً وتاجاً.. أعطك ملكاً) وبالتالي تنتهي هذه المحاكمة إلى نتيجة هي أن التغيير لا يتم بتبديل ملك بآخر، وإنما يحتاج إلى بنية متكاملة جديدة لا تعتمد على البنية القديمة، لا على أشخاصها.. ولا مفاهيمها..

ولم تقدم المسرحية ذلك عن طريق المشاهد التي تشير إلى هذه النتيجة وإنما كانت تخرج صريحة على لسان (عبيد، وصديقه زاهر) اللذين مثلا دور النضج والوعي في الشعب الذي تحكمه السلطة التنكرية الإرهابية، فقد رفض عبيد فكرة المظاهر في يوم التتويج لأن التناقضات لم تنضج بعد، كما رفض الرد بعفوية سريعة.. على أي إرهاب وإيذاء من قبل السلطان، وأصر على الاستمرار في تنكره مع كل رفاقه، كفئة تعمل في الصمت، وهي لذلك مطاردة من قبل السلطان وأعوانه، وتنكر هؤلاء مختلف عن تنكر السلطان.. وجماعة الأمن، فهو بقصد إنهاء كل حالات التنكر.. والوصول إلى المساواة.. وحصول كل الناس على حق الحياة الطيبة بدون اللجوء إلى الاستغلال.. وهذا لا يتم – كما برهنت المسرحية – بجهد فردي مهما كان متميزاً.

طروح المسرحية كانت أكبر من ذلك، فقد دخلت إلى فئات المجتمع وفرزت الزائف منها والحقيقي فعرضت لنا شخصية (أبو عزة) المواطن العادي.. ومع ذلك لا يتخلى عن أصوله البرجوازية، إذ كان تاجراً ولذلك فهو يحلم بالسلطان، والخدم والأبهة وما هذا إلا دليل على ارتباطه بأصوله ومنبته الطبقي، وتقدم لنا المسرحية تنكر مثل هؤلاء لتاريخهم وأهلهم.. وواقعهم الذي عاشوه سابقاً، فأبو عزة عندما أصبح ملكاً أنكر معرفته لزوجته وابنته، وكل مشاهداته وخصوماته التي كان يتحدث عنها وطموحه للانتقام من الشهبندر والشيخ طه، ولكن عندما تغير الميزان، وأصبحت مصلحته متفقة مع هؤلاء، نراه يقلع عن كل ماضيه، ويرفض وزيره (عرقوب) ويهدده، إذ أن هذا الأخير كان من عامة الناس ومن مسحوقيهم يتصرف بسذاجة غالباً ولا يرضى كبرياء (أبي عزة) البرجوازية.. ورأينا كيف أن الوزير السابق (الحاج محمود) باع ملكه الحقيقي.. ولم يفكر ولو ساعة.. بغير البقاء في وزارته مهما كانت الأسباب وعلى أي من الناس انعكست.

تعرضت مسرحية الملك.. إلى فئات المجتمع كلها تقريباً، وفرزت الأداة البناءة وهي الشعب الذي يعرف مواقعه ويطمح ضمن إطار جماعي إلى تحقيق أمانيه التي تنعكس خيراً على الوطن جميعاً، كما فرزت الفئات المخربة وحرضت على رفضها وعدم الاطمئنان إليها، التجار المحتكرين.. ورجال الدين الذين يستغلون الدين لمآرب نفعية جشعة، وأصحاب النفوذ الفرديين المتعاونين أيضاً مع التاجر المحتكر.. وشيخ الجامع المخادع، (على حد تعبير المسرحية).

لقد استطاع سعد الله ونوس.. وبتقنية مسرحية.. أن يوظف كل الأدوار الصغيرة والكبيرة في رسم خط الدراما الذي شكل خطاً بيانياً متصاعداً من البداية إلى النهاية ليصل إلى غاية.. هي إيصال أفكاره إلى أوسع الجماهير، ويقدم النتيجة النهائية التي أثبتها عبر المسرحية كلها بطرق مباشرة وغير مباشرة، وهي الوصول إلى رفض الأعمال الترميمية الإصلاحية واستبدالها بالأعمال الثورية المتكاملة التي تعتمد على عطاءات الجماعة لإعطاءات الفرد، وذلك عن طريق الحاكية القائلة بأن جماعة عانت ظلم وجور ملكها، فما كان منها إلا أن ذبحته وأكلته وقد شعرت من جراء ذلك بالمغص وتقيأ بعض أفرادها، ولكنهم وصلوا أخيراً إلى الشفاء والاستقرار ولم يبق تنكر ولا متنكرون.

 أما عن دور الإخراج والتمثيل والعناصر الفنية الأخرى، فقد استطاع المخرج أن يحرك الخشبة بالتعاون مع الممثلين الذين جهدوا في إيصال أفكار المسرحية وحافظوا على خط الدراما فيها، فلم تكن في العمل أدوار غير موظفة، وقد انسجم معظم الممثلين مع أدوارهم تقريباً مع وجود بعض الثغرات النسبية كالفتور الذي لمسناه في مشهد (عزة وعبيد) مثلاً، وربما يعود ذلك إلى الحركية التي تميزت بها المشاهد التي سبقته والتي جاءت بعده.

وإذا كان لنا أن نمر على بعض الأدوار التي نجحت أكثر من غيرها، فلا بد من ذكر دور عبيد (اسكندر عزيز).. وأبو عزة (عصام عبه جي) والملك (يوسف حنا) وكذلك ياسين بقوش الذي مثل دوره الكوميدي (عرقوب) بنجاح تخللته بعض الأخطاء الصغيرة في اللفظ ونسيان بعض الكلمات في دوره ربما يتجاوزها في الأيام المقبلة للعرض.

أما العناصر النسائية (أميمة طاهر.. وفايزة الشاويش) وقد قدمتا دور (أم عزة.. وعزة) فكانتا بحدود النجاح العادي وأخيراً.. مسرحية الملك هو الملك، إضافة جديدة لمسرح سعد الله ونوس وأسعد فضة اللذين تعاونا في أكثر من عمل ناجح حتى الآن مع الفارق الذي يبقى لصالح المؤلف إذ أن أعماله تحتاج إلى تقنية فنية في التمثيل خاصة، وفي الخشبة أيضاً تفوق ما شاهدناه، مع اعتبار النجاح والجهد لكل المساهمين في هذا العمل.

علي عبد الكريم.