وقف الملك عارياً أمام الحاشية.. أوهمه راعيان دخلا القصر متنكرين بهيئة خياطين، بأنهما أعدا له ثياباً ينكر من ليس أهلاً لمنصبه من أفراد الحاشية وجودها عليه، وهما في الواقع لم يخيطا له ثياباً، بل توصلا إلى إيهامه هو ذاته بأنه يرتدي تلك الملابس في الوقت الذي يقف فيه عارياً.. حتى يكتشف الشعب الحقيقة ويجاهر بها منطلقاً من صرخة طفل يقول إن الملك عار.. ويسدل الستار على المشهد الأخير من المسرحية ليقف أمامنا سؤال ملح ينتظر جواب:

ماذا أراد المؤلف من هذه المسرحية.. وكيف قدمت لنا إخراجاً وأداءً؟

المسرحية هي ((الملك العاري)) للكاتب يفجيني شفارتس، أخرجها أسعد فضة، وهي المسرحية الثانية والأخيرة من أعمال المسرح القومي في الجزء الأول من موسم مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة والسياحة والإرشاد القومي..

    • قناعات كاذبة:

يقول مخرج المسرحية في محاولة لتخليص الهدف الذي أراده المؤلف فيها:

مسرحية ((الملك العاري)) كوميديا خيالية تطرح الكثير من القضايا الهامة.. هناك طبقة حاكمة تتمثل بالملك وحاشيته فما هي اهتمامات هذه الطبقة وارتباطها بالشعب؟

كيف تطرح هذه الطبقة المفاهيم والقيم التي يجب أن يتمثلها الشعب ويحافظ عليها كقضية وثيقة الصلة بمصالحه؟

عندما تتقوقع الطبقة الحاكمة عن ذاتها، ولا تتخطى نظرتها للأمور هذه الذات، فلا بد أن تتعرى في النهاية مهما حاولت أن تلقي على نفسها من قناعات كاذبة.. وعند ذلك يطرح السؤال:

ماذا يجب أن يحدث؟

هذا ما عالجه شفارتس في مسرحية ((الملك العاري)) بأسلوبه الكوميدي الساخر..

أمام مثل هذه المسرحية يصعب الحكم المطلق، بل حتى التساؤل عما إذا كانت قد نجحت أم سقطت ذلك لأن الملاحظة الأولى التي يجب أن تسجل هنا هي أن الآراء التي تطرح حول المسرحيات العالمية التي يقدمها مسرحنا القومي، تتناول الإعداد والإخراج والتمثيل دون مناقشة النص، والاكتفاء بعرضه ملخصاً في محاولة للتعريف بالشخوص وأدوارهم، ذلك لأن أصحاب هذه الآراء يعتبرون أن مجرد تقديم مسرحية عالمية يوفر عليهم جهد إبداء الرأي فهذا نص عالمي له هالة معينة من الشهرة قد تبدو أمامها أية مناقشة نوعاً من التطاول أو التشويه.. فإذا علمنا أن مسرحنا القومي قدم خلال السنوات العشر الماضية أكثر من أربعين مسرحية، ليس بينها أكثر من عشر مسرحيات محلية، أدركنا أهمية طرح موقف من نوعية الاختيار للمسرحيات العالمية، ونوعية هذه المسرحيات، ومدى جدوى اختيار هذه دون تلك تنصل إلى المرحلة الثانية التي تقوم فيها الطريقة التي فهم فيها المخرج هذه المسرحية وقدمها فيها، لننتهي إلى أدوار الممثلين الذين نجدهم في مواقف متباينة من هذا الموضوع، ولهذا نجد مثلاً الفنان عبد اللطيف فتحي، بطل المسرحية، يصرح في الزميلة ((الثورة)) أنه ترك شخصيته في البيت ليؤدي هذا الدور الذي اختاره له المخرج، يقول هذا دون أن ينتبه إلى خطورة وخطأ مثل هذا الرأي الذي يجسد سطحية فهم فنانينا – وخاصة الكوميديين منهم – لمعنى الشخصية ((الكاراكتير)) فيطالبون بتفصيل الأدوار عليهم ويطالب كل منهم الكتاب بأن يكتبوا له دوراً يناسب شخصيته، وهذا سبب سقوط الكثير من المسرحيات والأفلام والبرامج والتمثيليات الإذاعية والتلفزيونية التي فصلها الكتاب على شخصيات الممثلين الكوميديين.

ولهذا كدت أتمنى على ممثل كبير مثل عبد اللطيف فتحي أن يعتز بمثل هذا الدور، لأنه ملأ به المسرح، وكان كعادته فناناً أصيلاً راسخ القدم على المنصة.

    • مع النص:

ليس استخدام شفارتس للحكاية الشعبية أو الأسطورة المعتمدة في المسرحية استخداماً شكلياً محضاً. كما كان يفعل الكلاسيكيون، وإلا لأصبح تقديم هذه الحكاية على المسرح لا يختلف عن تقديمها قصة لأطفالنا كما فعلت إحدى دور النشر عندما قدمتها قصة للصغار بعنوان: ((ثياب الإمبراطور)).

إن شفارتس أراد من هذه المسرحية أن تكون فضحاً لمثل هذه الحاشية التي حول الملك، بل فضحاً لموقفه هو بالذات.. والرمز فيه واضح الأثر عميق الدلالة، وليس مجانياً أو من أجل الترفيه فقط، ويعرف هرمان بروخ الكاتب النمساوي (1886- 1951) وهو أحد مبتدعي ما يسمى بالواقعية السحرية أو الميتافيزيقية يعرف مثل هذه الأعمال استناداً إلى أصولها التي يقول عنها أنها ((سذاجة البداية ولغة الكلمات الأولى والرموز البدائية.. وعلى كل عصر أن يكتشفها بنفسه من جديد)). ومن هنا كانت أهمية طرح المسرحية من هذا المفهوم الذي أراده الكاتب وفهمه المخرج إلى حد كبير..

ولهذا فإن الحكم على مثل هذه المسرحية، وأقول هذا مرة ثانية، يجب ألا يكون مطلقا، يجب أن يدلل ويناقش ويصل إلى نتيجة..

ولعلي هنا أجدني في موقف المستدرك إذ أقول إن الفصل الأخير في المسرحية كان متهافتاً.. فشفارتس في مسرحياته يقصد دائماً إلى نوع من التعرية للحكام الذين يخونون شعوبهم أو هم بعيدون عنهم، كما رأينا في التنين ((تعرية السلطة الفاشية إن صحت التسمية)) وفي هذه المسرحية ((تعرية الملك والحاشية المزيفة)) ولهذا كان مشهد انضمام بعض الحاشية، رئيس الوزراء مثلاً إلى الجمهور عند كشف الحقيقة – رمز قيام الثورة – غير مقنع بالصورة التي أخرج بها، حتى التحول الذي طرأ على الراعي وزميله بين المشهد الأول وبقية مشاهد المسرحية كان غير مقنع لدرجة كافية.

حتى بداية الثورة، وأعلن إشارتها كما رأينا في المسرحية ملك آخر قبل أن يعلن الطفل الحقيقة، جاءت مهزوزة ودون المستوى الذي كان يجب أن يصل إليه توتر تساوق الأحداث وتطورها حتى هذه اللحظة.

    • مع المخرج:

بالرغم من الحشد الكبير الذي حشده المخرج أسعد فضة ((أكثر من ثلاثين ممثلاً وممثلة)) فإن أكثر العناصر كانوا دون المستوى.. أو إن إمكاناتهم هي في الأساس قاصرة، كما في الأدوار النسائية الثلاثة ((الدوقة والكونتيسة والبارونة))، وهذا يطرح مرة أخرى قصة الوجوه الجديدة التي يجب أن يرفد بها المسرح القومي، بل يطرح سؤالاً: لماذا لم يستطع المسرح القومي بعد مرور عشرة سنوات أن يقدم جوهاً جديدة متمكنة للمسرح، ولماذا لا يتم تأهيل العناصر الجديدة تدريجياً بدل إقحامها في اللحظة الأخيرة إقحاماً غير مؤهل..

استطاع المخرج أن يحرك المجموعات بذكاء.. من خلال ((ميزانزييه)) يتجلى فيه الانسجام بين الحركة والحوار.. وإن كان بعض الممثلين قد أخل بهذا الانسجام أحياناً، خاصة في المشاهد المتكررة بحيث تصبح مجرد أداء روتيني بدون انفعال ((لنتذكر مثلاً أداء العمدة لجملتي: نعم نعم.. ولا..لا..))..

هناك مفهومان مطروحان للأداء في هذه المسرحية، الأول يعتمد ما في الحوار من لذعات وأبعاد دون التطرف في الحركات الإيمائية أو المساعدة.. والثاني هو ما يعتمده بعض المخرجين عادة في تقديم ((الفارس)) وهذا يعتمد توافق الحركة والأداء اللفظي مع تطرف في هذه الحركة..

وهذا المفهوم الثاني هو الذي اعتمده المخرج مع ما فيه من دقة، لأنه يحتاج موهبة في الأداء تقصر عنها إمكانات أكثر فنانينا.. ولهذا جاءت بعض الحركات نوعاً من التهريج غير المبرر، مما أساء إلى مضمون المسرحية..

    • مع الممثلين:
      • يوسف حنا ((هنريخ)): لا أجد تسمية لهذا الفنان الأصيل إلا أنه بطل المواسم.. إنه ورقة رابحة في أيدي المخرجين ولكنهم يطرحونها أحياناً في غير مكانها المناسب.
      • محمد الطيب ((كريستيان)): أدى دوره ببراعة..
      • مها صالح ((الأميرة)): تألقت في هذه المسرحية وأقنعتنا بأن طريقها في السير خطوات بطيئة وثابتة في التطور كانت مجدية، إذ أصبحت اليوم في الصف الأول بين ممثلاتنا..
      • أميمة الطاهر ((الدوقة)) وفايزة الشاويش ((الكونتيسة)) وماجدة الشربجي ((البارونة)): دون مستوى أدوارهن رقم قصرها.
      • يعقوب أبو غزالة ((الملك الأب)): كان، كما عرفناه في جميع أدواره، ممثلاً مجيداً ومتمكناً..
      • رياض نحاس: وزير العواطف الرقيقة: تطرف في الحركة..
      • نور كيالي ((العمدة)): أوردت الملاحظة عنه في صلب التحقيق.
      • عصام عبه جي ((الضابط)): أدى دوره بنجاح.
      • منى واصف ((المربية)): كانت بطلة المسرحية رغم قصر دورها.
      • أحمد عداس ((رئيس الوزراء)): كان كعادته ممثلاً كبيراً.
      • عبد اللطيف فتحي ((الملك)): أوردنا رأينا في دوره.

وأحيي محمود جركس ومحمد الطرقجي وعبد الله النشواتي في أدوار الشاعر والعالم والمهرج.

بقيت كلمة أخيرة، وهي ملاحظة تنسحب على جميع أعمال المسرح القومي.. إنها ملاحظة حول واقع أعداد هذا الموسم، أنه يتم في وقت متأخر وبطريقة ((السلق)) دون أن يخصص وقت كاف للبروفات أو لتلافي الأخطاء أو لحفظ الأدوار وهذا سبب رئيسي في تقديم المسرحيات دون المستوى المطلوب، بالإضافة إلى الملاحظة الأخرى الأساسية في الاختيار، والتي تتطلب من مديرية المسارح تخطيطاً أفضل للمواسم القادمة.

جان الكسان.