دون جوان

ظاهرة الفساد المستمرة في كل جيل

” الدونجوانية ” بين موليير و المسرح القومي

دقات غير طبيعية تطرق الباب ودون جوان يصرخ أنه لا يريد أن يزعجه أحد في تلك الساعة بعد أن استطاع بذكائه وخبثه أن يتخلص من المدين مسيو ديماتشي ومن نصائح والده دون لويس، الوالد الذي يتدخل في أمور ابنه والذي “يأتي بكل وقاحة لكي ينصحه بتغيير سلوكه ” مما يدعو دون جوان الى القول بأن ما يثير حفيظته هو ” أن يعيش الآباء بقدر ما يعيش أبناؤهم “

الدقات ما زالت متتابعة.. من تراه يأتيه في تلك الساعة انه يريد أن يتعشى بهدوء.. بعد أن تجسد أمامه قدر هام من ماضيه في عودة الدونا الفيرا لنصحه بالعدول عن سلوكه بعد أن ذهب والده، عجيب!! من يقرع الباب في هذه الساعة؟ ويصرخ دون جوان لا تسمحوا لإنسان بالدخول، ويتطوع الخادم سغانريل للقيام بهذه المهمة فهو سعيد لأن سيده يجلسه معه على المائدة، لكنه يعود وهو يطلق صرخاته الحادة والرعب يكاد يقضي عليه..

ويدخل خلفه تمثال حجري متحرك.

دخول التمثال هو لعنة الماضي التي لا يمكن أن تمحى.. ان خطيئة الانسان قدر عليه ولا مجال للتهرب منها، ان التمثال الحجري هو تمثال الكومندور الذي قتله دون جوان ذات يوم.

لقد حاول دون جوان أن يسخر من الموت والتمثال معا عندما وجه دعوة ساخرة الى الكومندور الميت أو تمثاله أن يتفضل بالعشاء معه، ورغم أن التمثال يحني رأسه بالموافقة الا أن دون جوان لا يجد في الأمر أكثر من أنه ” من المحتمل أن نكون قد خدعنا بيوم نحس، أو غررنا ببعض الاضطرابات التي عكرت علينا الرؤية “

ان السماء الآن ترسل معجزاتها الا أن دون جوان يتمالك أعصابه ويصرخ “فلنظهر أن ما من شيء يستطيع أن يزلزلني “وتبلغ المسرحية بهذا المشهد ذروتها وحدتها.

ويحاول أن يتقبل الأمر بشكل عادي ” أسرعوا فأحضروا لنا كرسيا وغطاء “.. يقول دون جوان ذلك وهو يدفع أحد الخدم الا أن أسعد فضة مخرج المسرحية التي يقدمها المسرح القومي والذي يمثل الدور الرئيسي في المسرحية وهو دور دون جوان يضحك وهو يدفع الخادم في اليوم الأول لحضوري المسرحية ويضحك الخادم الثاني في اليوم الذي يليه

كنت أتوقع في متابعتي لهذا الموسم المسرحي أن أصطدم بأي شيء.. بمخرج يسيئ التقديم.. بممثل لا يفهم دوره.. بديكور سيء.. وكنت سأتقبل.. أما بممثل يضحك على المسرح!!! ” هي تقيلة “

دون جوان نموذج يمثل ظاهرة تستطيع أن ترى لها أمثلة كثيرة في كل زمان، دون جوان هو الشاب الذي يفلسف فوضاه الحياتية وتقلباته الغرامية وانحلاله الخلقي.. أنه انسان لا يحترم شيئا.. شاب متهتك لا هم له الا مطاردة الفتيات والتنقل من فتاة الى أخرى.. انه نموذج تولد بعد عصر النهضة وبعد أن سرت مبادئ ميكيافيلي وانتقلت من السياسة الى السلوك الحياتي في القصور الملكية.

لكل عصر ظاهرته.. هناك ظاهرة فاوست ” الانسان الذي يندفع الى المعرفة فيصل حدا يضيع فيه نفسه ” وظاهرة دون كيشوت ” فرسان المغامرات والانتصارات الوهمية ” وظاهرة دون جوان.

ان الموقف الأول الذي يتخذ حيال ظاهرة من هذا النوع هو الموقف الديني، فرجل الدين هو أول من يتنبه للظاهرة وخطورتها ويحاول معالجتها بوسائله الخاصة ان الدونجوانية وتهتكها لا يمكن الا ان تجر الانسان الى الالحاد.. هناك دائما ما يذكر بالضمير وبالإله وبالخير وبالأخلاق.. الا أن اندفاعه وتهتكه لا بد وأن يجعلاه يضرب بهذه الأشياء جميعها عرض الحائط ليغرق في مباذله، وعندما يلوح له بريق التوبة يعلن الاستعداد لها (فيما بعد)..

هذا التأجيل وذلك الالحاد لابد وأن يعرضا صاحبهما لنقمة السماء ولا بد أن ينتهي بان يكون عبرة لغيره، وتنزل صاعقة من السماء تقضي على دون جوان بهذا الشكل عولجت ظاهرة الدونجوانية على يد القس ترسو دي مولينا في مسرحيته ” متهتك اشبيلية والضيف الحجري ” عام1625 , ويذهب البعض الى أن أول من عالج الظاهرة هم اليسوعيون في مسرحية ” قصة الكونت ليونشيد الذي ساءت عاقبته بعد أن أفسده ماكيافيلي ” عام 1615

لكل جيل ظاهرته.. الا ان دون جوان ظاهرة كل جيل.. انها الظاهرة المستمرة، قبل تاريخ كتب معالجتها وبعد أيامنا هذه ان دون جوان نموذج لظاهرة التهتك والفساد الخلقي في كل جيل، انها تبقى واحدة في كل العصور الا ان لكل عصر وسيلته الخاصة في معالجتها أو مناقشتها وتفهم دوافع سلوكها

ان دون جوان موليير يبرر سلوكه بنفسه ” ان لكل الجميلات الحق في أن يسحرننا وليس يحق لواحدة أتيح لنا أن نلتقي بها قبل غيرها أن يحجب كسبها هذا ما للأخريات من حقوق عادلة في قلوبنا ” و ” ان المرء ليشعر بعذوبة متناهية في أن يسحق بالمديح العظيم، قلب جمال فتي، وأن يرى الى نفسه يحرز تقدما يوما بعد يوم “، أما بالنسبة لالبير كامو فإن دون جوان يمثل له نموذجا للعبثية و اللاجدوى. ” ان العودة الى دون جوان في أي عصر لا تعني الا النظر اليه من وجهة نظر جديدة ومعالجته بمفهوم جديد، أما الرجوع اليه كما قدمه أحدهم (موليير) وتقديمه بحرفيته فإن ذلك لا يعني الا الإقرار بوجهة نظر موليير في المعالجة وانني على ثقة تامة، ان المخرج أسعد فضة الذي قدم لنا دون جوان لم يكن يضع باعتباره الا اثبات مقدرته في تقديم الخوارق كالشبح والتمثال المتحرك والموت بصاعقة سماوية وقد نجح في هذا الا أن السؤال يبقى مطروحا فيما إذا كنا نعيش ذلك الترف الفكري الذي يسمح لنا بعرض هذه العضلات أم … ماذا؟

دون جوان في مسرحية موليير لا يخرج من الحدود التي رسمت له منذ البداية، ان المسرحية مجموعة من الحوادث تساعد في تحديد شخصية دون جوان وفي تأكيد عاقبته.

المسرحية دينية في عرضها ومعالجتها، وان ما يجعلنا نرضى بعرضها في هذه الفترة هو وجود ظاهرة الدون جوان أو ما يشابهها ووجوب معالجة الانحراف في جيل الناشئة، الا أن المسرحية تفقد كل أمل في خير تقدمه نتيجة للطريقة التي عولجت بها الظاهرة ان معالجة هذه الظاهرة عن طريق السماء والغيبيات كالأشباح والتماثيل المتحركة والصواعق أمر لا يمكن أن يقدم قناعة للجيل المعاصر ان كانت قد فعلت ذلك في عصر موليير او ترسو دي مولينا.

وقد قلت للسيد فضة مخرج المسرحية انه كان عليه أن يعالج المسرحية من وجهة نظر جديدة لكي تستطيع تحقيق المهمة المرجوة منها , فكان جوابه أنه لا يستطيع التصرف في المسرحية ” لأن العالم الميتافيزيقي يسيطر على الرواية من أولها الى آخرها , وان التصرف يعني كتابة المسرحية من جديد انني – كمخرج – أشعر بالواجب في الأمانة على النص مع حرية التصرف في تفسير الشخصيات كما أريد , ربما كان حل موليير للمشكلة بواسطة السماء و الغيبيات مثيرا للتساؤل الا ان علينا أن نتذكر انه كان في ظرف لا يسمح له بقول ما يريد ” ربما لا يتسع المجال هنا لا يراد دفاع السيد أسعد فضة الا انه كان مصرا على تقديمها كما كتبها موليير وانه لا يجوز له التصرف أو التحريف .

الا إن هناك أمورا كثيرة كان يستطيع أن يفعلها ففي الموقف الذي يجتمع فيه دون جوان وخادمه سغانريل ” عمر قنوع ” وبالفلاحتين شارلوت ” مها صالح ” وماتبورين “هيلدا زخم ” والفلاح بييرو ” سليم حانا ” خطيب شارلوت في هذا الموف كان بإمكان المخرج أن يطرح فكرة طبقية بشكل جدي ان الصفعات التي كان بييرو يتلقاها وهو يصيح: ” الانكم سادة تأتون لتداعبوا نساءنا أمام لحانا؟ اذهبوا فداعبوا نساءكم ” كانت تثير ضحكاتنا، وكان من الممكن أن تثير شفقتنا وكرهنا لدون جوان علما بأن المسرحية قد نشأت وكتبت منذ البداية لإظهار مفاسد الطبقة المترفة، ان بإمكان المخرج أن يطرح المعاني الجديدة أو أن يؤكد المعاني التي وردت في المسرحية يجعل موقف ما كهذا الموقف أكثر جدية.

وقد قال لي لؤي الكيالي بعد أن خرجنا من المسرحية: ” لا شك أن موليير قد بنى شخصية دون جوان بشكل يشعر المشاهد من خلال المسرحية انه إما مؤيد وإما معارض لموقف دون جوان هذه الايجابية أو السلبية تعبر عن الموقف الذي أراده موليير من خلال دون جوان ولكنني كمشاهد لم أشعر لا بسلبية ولا بإيجابية ” ونستطيع أن نضيف لقول لؤي الكيالي أن المتفرج قد خرج بنتيجة عكسية تماما لما أراد موليير فإن المتفرج كان يحب دون جوان في المسرحية وربما تألم لموته.

كان بإمكان المخرج أن يضيف لمسات قليلة يفسر لنا من خلالها سببية السلوك، وقد قالت مها الصالح التي تمثل دور شارلوت في المسرحية: ” أنني اعتبر أن دون جوان يسلك هذا السلوك من خلال نقص معين فهو يحاول بسلوكه أن يؤكد وجوده كرد فعل لحياة رتيبة يعيشها البلاط في ذلك العهد ان هذه الشخصية قد عادت بالضرر على مجتمعها وعلى أي مجتمع يمكن أن توجد فيه، ومن هنا نراها مناسبة للعرض، وقد جعل موليير عقوبة دون جوان على يد السماء وربما كان الأفضل أن يعاقبه المجتمع على يد خادمه سغانريل أو أحد أخوي دونا الفيرا “

كان بإمكان المسرحية أن تتحول من هذا الموقف الوعظي الى أي موقف آخر، وقد قال لي فاتح المدرس معلقا على المسرحية ” لقد أعجبني العراك بين الدين واللادين ان ذلك يقود الى اذكاء التفكير عند الشعب، الا أن الفكرة قديمة وممجوجة، فاذا قلنا ان المسرحية وجدت لتكون درسا للمجتمع نرى أنها تتحول من مسرحية فنية الى مسرحية وعظية والمسرحية الوعظية من أتفه المسرحيات ” وقد أنهى كلامه بقوله ” ان هذه المسرحية في عداد المسرحيات التي يكون فيها الحوار أكثر من الحركة وهي تحول المسرح الى جو تدريسي “

ان المقاطع الطويلة التي لابد للممثل من القائها دفعة واحدة هي في الحقيقة مقياس للممثل الذي يستطيع التصرف بكلماته وأن يثبت مقدرته، وربما كانت هذه المقاطع التي نجد أمثلتها بكثرة لدى أبسن سببا في فشل مسرحية ” عدو الشعب “، الا ان ممثلي دون جوان قد استطاعوا أن يثبتوا اقدامهم على المسرح.

وقد قال السيد أسعد فضة ” ان في هذه المسرحية مجالا واسعا لأن يتوسع المخرج في تقديمها ويجب ألا يقف أمامنا عائق في سبيل تقديم الأعمال المسرحية الكبيرة كأن يقال مثلا: المسرح صغير والإمكانيات غير متوفرة.

اننا نغامر بإمكانياتنا المتواضعة ونقدم هذا العمل المسرحي.

وان في المسرحية مونولوجات طويلة تحتاج لمقدرة من الممثل على تأديتها وقد أثبت الممثلون فعلا وبجدارة هذه المواهب والإمكانية لذلك “

أما الظاهرة الطبيعية و التي تجعلنا نتفاءل هي أن الممثل أو الممثلة الذي كان يؤدي أصغر الأدوار أو أكبرها كان يشعرنا أننا أمام ممثل و فنان , ان هيلدا زخم ” ماتيورين ” كانت تشعرنا مع زميلتها مها الصالح ” شارلوت ” أننا فعلا أمام فلاحتين اسبانيتين احداهما مرحة و ساذجة و الأخرى سليطة و عنيفة , كما و أن الفلاح بييرو ” سليم حانا ” كان فعلا ذلك الفلاح الاسباني الساذج بحبه و غضبه و طريقته في رواية الحوادث , ان سليم حانا يؤكد لنا مرة أخرى انه ممثل و فنان وفي حديثه قال لي : ” انني أعيش دوري و هذا الدور يكشف عن نفسيتي .. اسمع!! ان المخرج موفق جدا. أقسم ب. ب. ب. بشرفي “

وفي جوقة وراء الكواليس توجهت بأسئلتي الى جميع الممثلين عن رأيهم في المسرحية وفي دور كل منهم فكانت أجوبتهم جميعا انهم يفضلون أدوارهم وانهم راضون عنها، الا ياسر العظمة الذي كان يفضل لو أخذ دورا كوميديا، الا انه في دوره ” دون كارلوس ” قد أكد مقدرته كممثل منذ أن شاهدته في مسرحية ” الشرك ” وقد لفت نظري كممثل مجيد منذ ذلك الحين.

أما الممثلة منى واصف فقد استطاعت أن تكون ممثلة مجيدة بصوتها أكثر مما كانت بحركاتها ولقد قالت لي أن هذا الدور يتمشى مع خطها الجديد الذي تعتمد فيه على الالقاء وهي تصر ان هذا أفضل دور مثلته.

ولا بد لنا من تقديم اعجابنا للسيد عمر قنوع الذي استطاع تقمص الدور ومنازعة أسعد فضة على بطولة المسرحية، وفي حديث معه حول المسرحية لم يعلق بأكثر من قوله ان الجمهور يحب هذا النوع من المسرحيات واستشهد بالزحام في الصالة.

ولا بد من الإشارة الى انه قد تطرف في حركاته الى حد أصبحت معه شخصية سغانريل شخصية ” كلاون ” أو شخصية كوميديا تعتمد الفارس، ولست أدري ان كان الخطأ هنا خطأ الممثل أم خطأ المخرج ان كان قد رسم هذه الصورة في ذهن الممثل عن سغانريل، هل أراد المخرج ان يكون سغانريل مهرجا أم ماذا؟

ان سغانريل يمثل الشعب بطبيعته وسذاجته واخفائه لأحكامه – كما يذكر المخرج في كلمته عن المسرحية – الا ان هناك ملاحظة لابد من ايرادها أيضا، وهي أن ذلك الشعب الذي يمثله سغانريل انما كان لمجتمع عاشه موليير وأن بإمكان أي انسان تتبع أدب موليير وتحرى مواقفه أن يدرك انه قد تراجع في اللحظة الأخيرة فتخلى عن فنيته ليرضي الرأي العام الديني، ان الأخوين ينفردان مرتين بدون جوان الا ان العقاب يأتي سماويا.

وإذا كان سغانريل وهو ممثل الشعب وممثل الجمهور والناطق بلسانهم في أحكامهم فهل هناك ما يحرج أسعد فضة في جعل هذا النموذج أكثر جرأة وأقل نفاقا إذا كان هناك ما أحرج موليير؟

ان تقديم مسرحية موليير كما كتبها موليير وبنفس الموقف الذي أراده موليير في نفس الظروف التي عاشها موليير يعني الموافقة على الموقف المطروح وتأكيده ولا يفيدنا الا في الاطلاع على ما كتب موليير وكأننا بذلك نجلس في مقهى يقرأ فيه علينا الراوي حكاية لا يملك كتابها أحد غيره، الا ان المبلغ الذي يدفعه المتفرج لمشاهدة المسرحية يمكنه من شرائها ككتاب إذا كان المخرج قد قدم لنا المسرحية لكي يعرفنا على موليير فقط

كان بودنا لو رأينا دون جوان أسعد فضة وليس دون جوان موليير لأن هذا الأخير موجود في المكتبات.

ممدوح عدوان

    • كيف تظهر شخصية المخرج وهل يستطيع فرض هذه الشخصية

في الاسبوع الماضي كتبت مقالا حول دون جوان وقد اقترحت فيه انه كان من واجب المخرج أن يفعل شيئا ما في المسرحية لكي تستطيع أن تؤدي المهمة التي أرادها لها، فالحل الميتافيزيائي او موت دون جوان، الذي أراده موليير موقفا، بصاعقة سماوية وهو يمسك بيد تمثال حجري متحرك، ربما كان هذا الحل غير مجد أو مقنع عصريا، وقد أراد المخرج أن يرد على المقال واتفقنا على أن نناقش الأمر نقاشا، وابدأ بسؤال المخرج السيد أسعد فضة كما يلي:

    • لماذا يختار المخرج، عادة مسرحية ما ليقدمها؟

أحب أن أجيب عن نفسي عندما أختار مسرحية أحب أن تكون هادفة تعالج احدى مشاكلنا وأضع في اعتباري طبعا أن يكون النص جيدا وخادما لغرض معين.

    • هناك نوعان من المسرحيات منها ما يعرض المشكلة ومنها ما يعالجها، فإيهما تعني؟

أنا لا أعني أيا منهما، قد تكون المسرحية التي تعرض المشكلة او التي تعالجها، واعتقد ان لكل نوع فائدة معينة، فعندما تعالج المسرحية مشكلة معينة يضطر المؤلف الى أن يفرض لها حلا، وقد يعرض المؤلف مشكلة ما دون أن يحلها بل يترك الحل للجمهور كل يحلها كما يريد، وهذا النوع أيضا له ميزاته.

    • ما هو موقفك من مسرحية تعرض مشكلة ما وتحلها بطريقة لا ترضيك؟ ومن مسرحية لا تضع حلا؟ وأعني: هل تسمح لنفسك بفرض حل من وجهة نظرك الخاصة في كلا الحالتين؟

بالنسبة للقسم الأول من السؤال انني أرفض تقديم مسرحية تفرض حلا لا يرضيني علما بأن المسرحية قد تكون غاية في الجودة فنيا، أما بالنسبة للقسم الثاني من السؤال فأقول بصورة عامة أن المخرج لابد وأن تظهر وجهة نظره في أي عمل يقدمه، لكن هذه الحالة تعطيه مجالا اوسع لإبداء وجهة نظره وباستطاعته أن يفرض حلا معقولا لمشكلة تركها المؤلف دون حل.

    • اذن فمن خلال مشاهدتنا لعمل مسرحي نستطيع أن نعرف وجهة نظر المخرج؟

نعم.

    • وإذا كان المخرج قد التزم نص المسرحية وموقف المؤلف فهذا يعني اتفاقهما في الحل؟

 نعم.

    •  الآن نصل الى دون جوان لقد التزمت بالنص خلال الاخراج وهذا يعني التفاؤل مع موليير في حله لظاهرة الدنجوانية.

 نعم، مع عدم موافقتي على حلها المصطنع عن طريق موت دون جوان، وقد تسألني لماذا لم تغير هذه النهاية؟ فأجيبك ان هذا غير ممكن لأسباب عديدة فبناء المسرحية يقوم على تحدي دون جوان للسماء , والخط التراجيدي في المسرحية قائم من هذا الصراع الذي ينتهي بحدث فاجع , وأجدني مضطرا الى القول بأن المسرحية هي نوع من المأساة الهزلية فعندما أغير النهاية كأن أجعل أحد الأخوة يقتل دون جوان أدخل شيئا غير منطقي لأن دون جوان معروف بفروسيته , زد على ذلك أن صراعه مع الأخوة لم يرد الا في مشهد صغير و الحالة التي تفرض حلا يجب أن تستمر في المسرحية بشكل خط بياني يتصاعد احيانا ويستقر ليبدأ من جديد بالتصاعد , لذلك جعل موليير الصراع قائما بين دون جوان من جهة و السماء و سغانريل من جهة أخرى , ولقد رأينا موقف سغانريل من سيده انه يعترف بإخلاصه له رغم احتقاره , ويتظاهر أمامه بأشياء يكرهها من كل قلبه , ولكنه مضطر الى المنافقة و تزييف العواطف ولا يمكن أن يكون القضاء على دون جوان عن طريق سغانريل لأن هذا الأخير يغذي وجود دون جوان الكاذب بريائه و نفاقه و جهله , لهذا رأيت أن أترك المسرحية كما هي حتى لا تفقد شيئا .

    • لماذا اخترت مسرحية دون جوان؟ وماهي علاقتها بواقعنا؟ وهل يرضيك، كفرد من الجمهور الحل الذي وضع للمسرحية؟

قلت أنني أختار المسرحية الهادفة وقد وجدت في دون جوان هذه المسرحية , انها تعرض مشكلة قائمة في كل عصر و زمان فسغانريل يمثل المجتمع و دون جوان يمثل الظاهرة المنحرفة , وقد بينت المسرحية مساوئ كل منهما وكيف أنهما لم يستطيعا الوصول الى نتيجة بسبب مساوئهما , أما بالنسبة للحل الذي وضع للمسرحية فإنني أجده مصطنعا ولا يمكن أن نسميه حلا لأن فكرة الالحاد موجودة في المسرحية في صراع دون جوان مع سغانريل وفي دعوة دون جوان الآخرين الى الالحاد , والحل الذي وضعه موليير مصطنع كالحلول التي ترد في المسرح الإغريقي وهو القدر , وقد ذكرت لماذا لم أغير النهاية .

    • لقد ورد في أقوالك إن شخصية المخرج لابد وأن تظهر في المسرحية فأين كان ظهورك في دون جوان؟ أقصد بالظهور طرح وجهة نظرك الخاصة أو تأكيدها ان كانت قد وردت في المسرحية؟

تظهر وجهة نظري في دون جوان بوضع التفسير الذي رأيت انه من الممكن أن يخدم واقعنا كما تظهر شخصية المخرج في عملية الاخراج ذاتها وخدم التفسير الذي أراده المخرج للمسرحية، وهذا واضح في كل حركة أو كلمة من المسرحية (دون جوان).

    • تقول إنك لا توافق على الحل الذي وضعه موليير، ولكنك قلت أيضا قبل فليل أنك ترفض تقديم مسرحية لا يرضيك حلها؟

قلت لك أن هذا الحل لا يعتبر حلا، ومن الواضح انه حل مفتعل، ولذلك عندما جعلت الشبح يظهر في الفصل الخامس سجلت صوته بصوت دونا الفيرا فالشبح والتمثال، الذي يقود دون جوان الى الموت، ليسا الا صوت الضمير الذي يلاحق هذا الانسان، الشخص الذي قتله والمرأة التي غرر بها، ولا أعتبر الموت حلا لأنه الحقيقة المجردة الوحيدة في الكون، ولا يمكن لأي حل أن يكون حقيقة مجردة بل ان كل حل قابل للنقاش، بينما الموت نتيجة حتمية لا يمكن مناقشتها، من هذا يتضح أن الحل مصطنع ويجب أن نضع باعتبارنا عرض المشكلة فقط.

    • ولكن هذه الأمور كلها واردة في النص، فعندما يأتي الشبح يقول دون جوان: ” يخيل الي إنني أعرف هذا الصوت ” ومشهد التمثال أيضا وارد في المسرحية، وقد قدمته تماما كما جاء في النص، وتفسير الظاهرتين على أنهما صوت الضمير تفسير ربما أراده موليير وقد يخرج به كل قارئ من خلال النص

 ظهور التمثال وارد فعلا، أما جعل صوت الشبح هو صوت دونا الفيرا فهذا غير موجود ان ما قاله دون جوان قد يعني ان الصوت لأي شخص في حياة دون جوان كوالده أو أية فتاة غرر بها وهجرها، أما التفسير الذي أراده موليير والذي قد يفهمه أي قارئ من خلال النص فهذا جميل جدا لأنني أكون قد اتفقت مع القراء في التفسير فماذا في ذلك؟

    • في ذلك أن القارئ ليس ملزما بتفسير يخرج به من كتاب قرأه، أما المخرج فهو ملزم بتفسير يوافق عليه أو يطرحه في العمل المسرحي الذي قام بإخراجه.

أولا: ان تفسير هذه الظاهرة ليس تفسير المسرحية بأكملها وما هو الا خط يخدم الفكرة كبقية الخطوط الأخرى، وإذا اختلفت أو التقيت مع القراء حول فكرة ثانوية تخدم الفكرة الأصلية فلا يعني هذا إلزام أحدنا بهذه الفكرة الثانوية.

ثانيا: أنني أعتبر هذه الأمور كلها ظلالا في اللوحة الكبرى وهي المسرحية.

    • اذن فأنت لم تقدم جديدا في صوت دونا الفيرا، فالنتيجة واحدة والتفسير واحد مهما كان الصوت.

كان من الممكن أن أجعل صوت الشبح صوتا غيبيا غير معروف، ولكن تحديد الصوت بالمرأة التي كان لها دور في المسرحية وفي الصراع مع دون جوان يؤكد وجهة نظر التي ذكرناها ويخلصنا من الغيبية.

    • ولكن الغيبية مطروحة أصلا في الشبح مهما كان صوته ولن يغير من الأمر في شيء تبدل الصوت، كما أن الغيبية مطروحة في التمثال المتحرك وفي طريقة موت دون جوان.

ليس هذا العالم الميتافيزيائي منفصلا عن المسرحية، انه موجود فيها ويسير معها الى النهاية انه من صلب المسرحية ويخدم واقعا محسوسا ملموسا، وأحب أن اعترض على مقالك السابق لقد قلت فيه انني كنت استعرض عضلاتي في الإخراج وانني نجحت وأسألك بدوري الم تجد في عملية الاخراج سوى استعراض العضلات؟

إنني أرى ان عملية الاخراج هي عملية بعث الحياة في العمل المسرحي المكتوب مع تأكيد أو طرح وجهة نظر معينة، أما عملية بعث الحياة وحدها دون تأكيد وجهة نظر معينة أو دون أن يعني المخرج ذلك فهذا إما أن يكون سطحية أو استعراض عضلات.

لكنني بينت لك وجهة نظري في المسرحية واخراجي لها كان تأكيدا لوجهة النظر هذه فما رأيك في ذلك؟ علما بأننا قد نختلف في وجهات النظر دون أن نلغي وجهة نظر أحدنا.

    • أكرر أنك قد قدمت المسرحية تماما كما كتبها موليير وبالحل نفسه والذي أثق أنك لا تؤمن به ولا يقنعك، كما اؤكد أنك نجحت في عملية الاحياء لمسرحية، وقد كنت أشك في امكانية تقديم مسرحية من هذا النوع المعتمد على الاشباح كمسرح شكسبير على مسارحنا المحلية، الا انني أعطي أهمية كبرى للفكرة التي تخدمها المسرحية، وقد ناقشنا ذلك كما وأنني لا أرى مانعا في إحداث تغيير ما في أحداث المسرحية كما يفعل المخرجون في البلاد الأخرى (كوزنتسيف في هملت)

لا مانع عندي من أن يتدخل المخرج في النص على أن يغني هذا التدخل النص ولا يفقره، لقد تدخلت في حوار المسرحية كما في الفصل الثالث، فقد أضفت حوارا على لسان الأخ الثائر يعطي المشهد منطقية وينقذه من البرود كما وضعت على لسان أحد الأخوين رأيي في دون جوان (أيكون في القضاء على من تحدى الشرائع والقوانين الانسانية وجعل من الحب رذيلة تهورا ووحشية) كما أن موليير كان قد ترك الأخ الثائر دون كلام وهذا غير منطقي “

عزيزي القارئ هذا هو النقاش حول الاخراج المسرحي وحول مسرحية دون جوان، وحول دور المخرج في المسرحية.

ممدوح عدوان

لماذا ولد المخرج والممثل قبل المؤلف المسرحي بدمشق؟

مسرحية دون جوان على مسرح القباني إشارة انطلاق الى نهضة مسرحية جيدة

عملية دمج فرقة الفنون الدرامية التي كانت تابعة لوزارة الاعلام بفرقة المسرح القومي التابعة لوزارة الثقافة والارشاد القومي، كانت أفضل عمل فني أقيم هذا الموسم.. فالمواهب كانت مبعثرة وموزعة بشكل لم يكن المجال واسعا للاستفادة منها.. أما الان وقد تجمعت المواهب في فرقة واحدة تمدها الدولة بكافة الامكانيات وترعاها وتشرف عليها اشرافا مباشرا يجعل العمل الفني الذي تقدمه على مستوى جيد.

وتعرض فرقة المسرح القومي بعد أن انضم اليها اعضاء فرقة الفنون الدرامية مسرحية موليير: دون جوان على مسرح ابي خليل القباني منذ أكثر من شهر ومن المعتقد ان يمتد عرضها شهر آخر بعد النجاح الساحق الذي تلقاه من ” الجمهور – النخبة ” في دمشق.

وقد قام بأدوار البطولة في هذه المسرحية: منى واصف ومخرج المسرحية الاستاذ أسعد فضة وعمر قنوع بالإضافة الى الانستين هيلدا زخم ومها صالح، والسادة: بشار القاضي وسليم حانا وأنور المرابط وياسر العظمة وعبد الله النشواتي وعدنان عجلوني واسماعيل نصر ويعقوب ابو غزالة ومحمد طرقجي، كما أسهم عدد من الفنانين المختصين بإعداد هذه المسرحية فنيا للمسرح

أراد موليير أن يقول في هذه المسرحية: أن عدالة السماء لابد أن تأخذ مجراها في الحياة، وان السماء حين تنتقم فسوف يكون انتقامها قاسيا ومفجعا، فدون جوان ” أسعد فضة ” رجل مزهو بجماله وشجاعته، وهو يعيش لحظته بشكل ممتلئ بغض النظر عما يكون تأثير ذلك على الآخرين، فهو يتنقل من فتاة الى فتاة ويغامر مغامرات كثيرة في المقاطعات والبلدان “لعل كلمة المخرج تغني عن الشرح فقد قال:

اننا نجد في كل مجتمع من المجتمعات فئة من الناس لا تشعر بوجودها الا في السخرية من كل ما يؤمن به هذا المجتمع، ولا يطيب لها العيش الا إذا اتت من الرذائل كل ما تزينه لها أهوائها ونزواتها، وافراد هذه الفئة يظنون أن عملهم هذا يعلي من شأنهم بين الناس، وهم لا يملكون القدرة على تبرير ما يقومون به من اعمال، بل يعطون لأنفسهم حق القيام بأنكر المنكرات، لأنهم يعتبرون أنفسهم فوق الشعب، ولا يصح لأحد أن يوجه لهم اللوم أو ينظر إليهم بعين الناقد.

وقد صور لنا موليير هؤلاء في مسرحية دون جوان بشخصية دون جوان نفسه، وسخر به من هؤلاء الطواويس الذين يجدون في التهور والانحلال، والأنانية والكذب والنفاق، متنفسا لهم، وغذاء لنفوسهم المريضة فدون جوان موليير لم يعد تلك الشخصية الأسطورية التي صورها غيره من الكتاب والتي تعيش في الأذهان فقط، بل أصبح صورة انسانية واقعية، تعيش في كل مجتمع، وفي أي عصر، لقد فقد دون جوان موليير جميع القيم ولم يعد يؤمن الا بأن اثنين واثنين تساوين أربعة وهكذا..

وقد تذرع بالمناداة بالحرية فيما يقوم به.

ولكن الحرية التي نادى بها دون جوان تقوم على فكرة عمياء لا يؤمن بها سواه ولقد أراد أن يحطم كل شيء، ويحصل على ما يريد وينغمس في عالم المجون والانحلال، فحطم نفسه، وجاءت مأساته شبيهة بمأساة بطل كامو ” كاليجولا ” ومأساة بطل غوته ” فاوست “.

الى جانب شخصية دون جوان وضع موليير شخصية تابعة سجاناريل فهما خطان متوازيان في الرواية لا يلتقيان ابدا.

وشخصية سجاناريل ترمز الى المجتمع الذي يعيش فيه أمثال دون جوان المجتمع السليم الفطرة، الصادق الاحساس.

وقد رسم موليير شخصية سجاناريل بصورة مشوهة لوجود بعض الصفات غير الحميدة فيه، فهو يتجاهل احيانا، وينافق ويرائي أحيانا اخرى.

بل يستحسن في سيده اشياء يكرهها من كل قلبه، ويزيف عواطفه نحوه رغم احتقاره له، فهو غير راض عن كل ما يقدم عليه سيده، وعندما يحاول أن يحتج على تصرفاته ينهزم امام أول نظرة تهديد منه، بل يمجد ما كان يراه سيئا وحقيرا في سيده.

وخلاصة القول: ان المجتمع الذي ينتشر فيه الرياء والنفاق لا يستطيع ابدا أن يقاوم المنحرفين والمنحلين، بل هو يغذي وجودهم الكاذب..

فعندما يحرر المجتمع نفسه من الجبن والنفاق والزيف ويمزق عن جبينه قناع الجهل والرياء، حينئذ يقضي على وباء المرض الاجتماعي وتأخذ قيمه ومعتقداته طريقها نحو النور.

المسرحية من خلال الممثلين

هناك ثلاثة ممثلين هم محور المسرحية الأول: منى واصف التي قامت بدور ” دونا الفيرا ” والمخرج أسعد فضة في دور ” دون جوان ” عمر قنوع في دور ” سجاناريل ” فهؤلاء الثلاثة هم الذين قدموا دون جوان كما أراد موليير، وهم نماذج مختلفة، فسجاناريل خادم دون جوان ورفيقه في كل رحلاته لا يؤمن بما يؤمن به سيده، انه رجل يخاف السماء ويخاف انتقامها، اما سيده فإنه سخر منها ولا يؤمن بها، انه يؤكد ان الحياة لا تعاد مرة أخرى وأن على الانسان أن يعيش لحظته بأي ثمن.

أما منى واصف ” دونا الفيرا ” فإنها تمثل الانسانة المؤمنة بالحب الصافي الصادق , وحين تكتشف ان دون جوان يخادعها و يلعب بعواطفها تسترد كبرياء الانثى , و تكشف الزيف عن وجهه و أمام نظراته القاسية التي تتوغل في عواطفها تنهار للحظة و تطلب صفحه و تطلب منه أن يعود الى جادة الصواب – وحين تلمح أن دون جوان لا يمكن أن يتبدل , فهو هذا الشاب المعجب بجماله و رجولته الى حد يعتقد فيه ان كل امرأة  يجب ان تخضع له و أن تقدم له نفسها دون أن يطلب منها ذلك , ويعود الكبرياء من جديد ليتلبس رداء منى واصف , فتقف لتكشف القناع عن الوجه المرائي الكاذب و تؤكد له أن لابد أن تنتقم منه السماء , لكن دون جوان المستهتر لا يهتم بما تتفوه به دونا الفيرا , وحين تنسحب من أمامه ينساها للتو .

وهناك شخصيات أخرى ساعدت على بناء فكرة المسرحية صعودا حتى قمتها , مثلا : مها الصالح في دور شارلوت وهيلدا زخم في دور ماتيورين , انهما تتنازعان حب دون جوان و تتصارعان من أجل الفوز به , فشارلوت تترك خطيبها – سليم حانا – مييرو ” الذي أساء للمسرحية اساءة بالغة بحركاته الايمائية الزائدة عن الحد ” تتركه لمجرد أن تلتقي بدون جوان في إحدى الغابات , وهناك عدنان عجلوني و ياسر العظمة فإنهما يبحثان عن دون جوان للانتقام منه , لكن مساعدة دون جوان لأحدهما دون معرفته و خوضه معركة الى جانبه يجعله في حيرة من أمره حين يكتشف أن دون جوان هو الذي انقذه من المعركة .

أما عبد الله النشواتي الذي قام بدور ((تمثال الحاكم)) الذي تحركه وتسيره السماء، فإنه قد أبدع بشكل رائع، وللمخرج فضل كبير على هذا الإبداع، فقد استعمل مكبرات الصوت المزدوجة في صداها حين يتكلم التمثال.. كما أنه استعمل تسليط الأضواء عليه ببراعة فائقة، حتى كادت شخصية التمثال تطغي على جميع شخصيات المسرحية.

والملاحظات التي يمكن لنا أن نوردها في هذه العجالة تجعلنا نقول إن الممثل الناجح والمخرج الناجح، قد ولدا عندنا قبل المؤلف المسرحي الناجح، إنه أمر يبدو غريبا، ولكنه الواقع، عسى أن يقرع اعلان هذه الحقيقة ضمير الأدب، فيفطن الى تقصيره، ويحاول أن يلحق بركب الفن الصاعد على يد هذه النخبة من نجوم مسرحنا الفني.

بل ان الكلمة الأخيرة هي ضرورة ((تغريب)) هؤلاء الفنانين الرواد، بإرسالهم الى دول المسرح الراقي في شرقيه وغربيه، في زيارات ودورات لمدد طويلة وقصيرة بقصد الاطلاع والدراسة، وتعبئة الطاقة الفنية وتغذيتها، ونؤكد أن بعض الدول أو المنظمات لا تتأخر عن توجيه مثل هذه الدعوات الى فناني المسرح القومي وإدارييه، بواسطة الوزارة، فإذا لم تتوافر هذه الدعوات، كان علينا أن ننفق في هذا المجال بعض الانفاق الذي سيرتد الينا ربحا ماديا ومعنويا كبيرا في مستقبل قريب.

في الواقع فإن هذه الكلمة ستظل قائمة ما دام لدينا هذه النابغة الرائعة منى واصف وزميلاتها ثراء دبسي وهالة شوكت ومها صالح وثناء دبسي وهيلدا زخم وغيرهن، وما دام لدينا أسعد فضة وخضر الشعار ورفيق سبيعي وعمر قنوع وعبد اللطيف فتحي وسعد الدين بقدونس ومحمد علي عبدو، هؤلاء الرواد الذين أخذوا يبنون لمسرحنا العربي في سورية ثروة رائعة وبناءا شاهقا..

ان مسرحية ((دون جوان)) قد كشفت لنا حقيقة هذه المواهب، وأريد أن أقول إن النص الجيد لا يكفي، أن هؤلاء الذين قدموا هذه المسرحية منحونا تفاؤلا كبيرا بمستقبل مسرحنا الناشئ..

فهذا الجهد الواضح في اخراجها وهذا الجهد الرائع في تمثيلها يؤكد لنا أننا أمام نهضة مسرحية سوف يكون لها شأن كبير في وطننا العربي الكبير.

وتحية الى أسعد فضة والى منى واصف الرائعة والى المسرح القومي برمته.

ياسين رفاعية